أسود مصر aswad misr
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أسود مصر aswad misr

موقع عربي شامل\ يهتم بجميع النشاطات\ والمجالات للنقاش المفتوح الهادف و البناء\ و المواضيع العامة\ كتب نادرة في كل مجال
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
تابع موقع startacraftbusiness
عن كسب المال من خلال المنصات عبر الإنترنت الاستفادة من مهاراتك أو خبراتك
أو مواردك لتوفير قيمة أو أداء المهام للآخرين.
للمتابعة للموقع اضغط هنا من فضلك علي هذا الرابط

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push();
أسود مصر aswad misr :: اسلاميات :: مواضيع اسلاميه

شاطر
هل تبحث عن وظيفة؟ I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 04, 2014 10:36 am
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
المراقب العام
الرتبه:
المراقب العام
الصورة الرمزية

فيصل

البيانات
الجنس : ذكر
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: هل تبحث عن وظيفة؟



هل تبحث عن وظيفة؟





هناك وظائف شاغرة.. وظائف ربانية.. عرضها الله تعالى على العالمين.. لا يوفق إليها إلا من أحب.. قال  :    إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته.. فسأله رجل من القوم ما : استعمله يا رسول الله ؟! قال   يوفقه الله عز وجل إلى العمل الصالح قبل موته ثم يقبضه على ذلك  (1).. ولهذا.. كان الصالحون يتحسرون على فواتها..
وانظر إلى رسول الله   وهو يحدث أصحابه عن يوم القيامة.. ويخبرهم.. أن من أمته سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب..
فيعجب الصحابة بهذا الفضل العظيم.. ويقفز عكاشة بن محصن  .. سريعاً.. يبادر الموقف وينتهز الفرصة قبل أن تفوت..
ويقول : ( يا رسول الله أدعْ الله ان يحعلني منهم .. قال : ( أنت منهم ).. ويفوز بها عكاشة.. ثم يغلق الباب.. ويقال لمن بعده : سبقك بها عكاشة.. نعم.. كانوا يعيشون حالة سباق في جميع أبواب الخير..
وأنت ترى نفسك لا تهشّ إلى مسابقة الأخيار في ميدان العمل الصالح.. فحاسب نفسك.. فلعل ذنوبك هي السبب..وتذكر أولئك.. الذين كرههم الله فلم يستعملهم في خير أبداً.. قال الله تعالى عن المنافقين :
﴿  ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين .. ﴾
وقد اجتهدت في جمع بعض الوظائف ذات الأجور العظيمة.. ونثرتها في هذه الورقات.. فما كان فيها من صواب فهو من توفيق الله وإحسانه وفضله.. وما كان فيها من خطأ فهو من نفسي والشيطان.. وأنا تائب إلى الله ومستغفر منه.. وقابل للتنبيه والنصح.. وشاكر وداع لمن أشار ونصح..
أسأل الله أن ينفع بها المسلمين والمسلمات.. آمين ..



في مساء ليلة شاتية.. رن جرس الهاتف..
رفعت السماعة فإذا هو صوت عبد الله..
نعم.. عبد الله.. قد تخرج من الكلية في العام الماضي , وانقطعت العلاقة بيننا منذ ذلك الحين..
ما إن سمعت صوته , حتى استعادت ذاكرتي ذاك الوجه البهيّ والجسم الممتلئ
شباباً..
- حياك الله يا عبد الله.. مرحباً.. كيف حالك.. ما أخبارك.. ما..
قاطعني بصوت ضعيف :
- تذكرتني يا شيخ ؟
- نعم.. وكيف أنساك
لم يتفاعل مع عباراتي , ولم يبدُ منه تجاوب , لكنه قال بصوت ضعيف : أريدك أن تزورني في البيت.. ضروري.. هاه!.. أنا لا أستطيع زيارتك.. لا تسألني لماذا! إذا جئتني عرفت السبب!
قال هذه العبارات بصوت خافت حزين.. لكنه كان بنبرة جادة.. وصف لي طريق منزله.. طرقت الباب.. فتح لي أخوه الصغير..
- أين عبد الله؟
- عبد الله.. في المجلس.. تفضل..
مشى الصغير أمامي , وفتح باب المجلس,فلما دخلت المجلس دُهشت.. ماذا أرى!! عبد الله على سرير أبيض.. بجانبه عكاز.. وجهاز يُلبس في الرّجل لأجل المشي.. ومجموعة من الأدوية.. أما هو فجسد ملقى على السرير..
قال لي مُرحِّباً وقد حاول جاهداً أن يقف على قدميه للسلام..
- حياك الله يا شيخ.. حياك الله.. كلفناك وأتعبناك..
- لا.. لم تتعبني في شيء.. عفواً لم أعلم بمرضك من قبل.. ولكن ماذا أصابك؟ ماذا حدث لك ؟ ألم تتخرج من الكلية؟ ألم تكن تحدثني أنك سوف تتزوج , وسوف.. وسوف..
- نعم , ولكن ما حدث لم يكن في حسباني..
تخرجت من الكلية قبل أشهر معدودة كما تعلم , وأصابني ما يصيب الشباب عادة من الزهو والفرح بالتخرج.. وبدأت مشوار الحياة الجديدة.. فتحت كتاب مستقبلي المزهر ورُحت استمتع بتقليب صفحاته وأحلم بأيامه السعيدة..
ومضت الأيام السعيدة سريعة.. لا يكدر صفوها إلا صداع بسيط كان ينتابني في بعض الأوقات.. ومع مضي الأيام بدأ هذا الصداع يزداد شدة وألماً.. لكن الأدوية المسكنة كانت كفيلة بالقضاء عليه.. ومضت الأيام على هذا الحال وقد تعوّد رأسي على هذا الصداع حتى صرت أنساه في كثير من الأحيان مع شدته وألمه.
لكن شدة هذا الصداع بدأت تزداد وتزداد.. وبدأ يصاحب ذلك ضعف في النظر.. حتى اشتدّ ذلك عليّ في إحدى الليالي.. فذهبت إلى قسم الطوارئ في أحد المشتسفيات.. شاكياً مما أصابني من صداع وضعف في النظر.. فلما قابلني الطبيب المختص,عمل لي التحاليل والأشعة اللازمة ,ثم قال لي :
- نحتاج إلى إجراء أشعة مقطعية دقيقة لرأسك , وهذا غير متوفر حالياً في المستشفى.. اذهب إلى مستوصف خاص واعمل هذه الأشعة ثم ارجع إليّ بها.. وحاول أن يكون ذلك سريعاً!..
خرجت يتملكني الوجل تارة.. والاستغراب تارة أخرى.. هذا الطبيب! لماذا يتعبني هكذا؟ كان الأحرى أن يعطيني مسكناً للصداع.. أو قطرة للعين.. وينتهي الأمر.. وجعلت أشاور نفسي : هل أهمل الطبيب وأشعته.. وأشتري دواءً بخمسة ريالات يسكن هذا الصداع وأذهب للبيت وأنام ؟ أم أعمل الأشعة التي طلبها وأنظر على ماذا ينتهي الأمر.. لكني مع كل هذه الخواطر ذهبت إلى ذاك المستوصف وأجريت الأشعة.. ثم رجعت إلى الطبيب, أحمل بين يديّ أوراقاً لا أفهم شيئاً من رموزها..
- تفضل يا دكتور.. هذه الأشعة التي طلبت.
لبس الطبيب نظارة سميكة على عينيه.. أخذ يقلب الأوراق بين يديه.. تغير وجهه.. وسمعته يقول:لا حول ولا قوة إلا بالله.. ثم رفع بصره إليّ وقال :
- استرح.. اجلس..
- بشّر يا دكتور.. خيراً إن شاء الله؟
- خيراً.. إن شاء الله.. خيراً..
وظل صامتاً لا يرفع بصره إليّ! ثم رفع سماعة الهاتف, وبدأ بالاتصال على مجموعة من كبار الأطباء يطلب حضورهم!! ما هي إلا دقائق حتى اجتمع عنده ستة أو سبعة منهم.. بدؤوا جميعاً يقلبون نتائج التحاليل.. يتأملون صور الأشعة.. ويتحدثون باللغة الإنجليزية , ويسارقونني النظر..
مضت قرابة ساعة على هذه الحال.. وأنا في حال لا أحسد عليه..
بدأ يمرّ في عقلي شريط ذكرياتي.. أخذت أستعرض سجل حياتي.. بل مستقبلي.. ترى ما بالهم يتناقشون؟ ما بال الطبيب اهتم كل هذا الاهتمام..
ثم رحت أطمئن نفسي وأقول لها:هؤلاء الأطباء يُكبرون المسائل دائماً.. كل منهم يريد أن يستعرض قواه.. تحاليل..! أشعة..! اجتماعات..! والمسألة حلها سهل:حبة أو حبتان من ال(بندول) مع قطرة للعين,وينتهي كل شيء!!
ظللت أنظر إلى الأطباء محاولاً أن أفهم شيئاً مما يقولون,ولكني مع تركيزي الشديد لم أفهم كلمة واحدة.. بدأت نقاشاتهم تهدأ وتهدأ.. ثم خيم الصمت عليهم..
خرج أحدهم من العيادة وتبعة آخر.. فثالث.. حتى لم يبق إلا اثنان..
قال لي أحدهما :
- اسمع يا عبد الله ! أنت أكبر من أن نقول لك أحضر والدك!!
- خير إن شاء الله يا دكتور.. ماذا تقصد؟!
فقال بأسلوب حازم:
- التقارير والأشعة تدل! على وجود ورم في رأسك , حجمه يزداد بسرعة مُخيفة , وهو الآن يضغط على عروق العين من الداخل , وفي أي لحظة يمكن أن يزداد هذا الضغط.. فتنفجر عروق العين من الداخل.. فتصاب بالعمى.. ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ ثم تموت!!..
ثم سكت الطبيب.. نعم سكت.. لكن كلمته الأخيرة بدأت تتردد في أذني.. تموت.. تموت.. يا للهول.. ما أقسى هذه الكلمة.. ما أشد وقعها على النفس.. أموت.. نعم أموت.. لكن شبابي.. رواتبي.. وظيفتي.. أمي.. أبي.. أموت!!
صحت بأعلى صوتي..
يا دكتور!!.. ماذا؟.. كيف؟.. متى؟.. ورم؟.. كيف ورم؟.. متى ظهر عندي؟.. ما سببه؟.. وأنا في هذه السن؟.. أعوذ بالله؟ ورم؟.. سرطان؟.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
- نعم , ورم.. ولا بدّ من علاجه بسرعة , كل دقيقة.. بل كل ثانية تمرّ.. ليست في صالحك.. الليلة ندخلك المستشفى ونكمل التحليلات الللازمة , وفي
الصباح – إن شاء الله – نفتح رأسك ونخرج الورم..
قال الطبيب هذه الكلمات بكل حزم.. وبرود..
قالها وهو يمسح نظارته ويقلب نظره في أوراق بين يديه..
أما أنا فلم أكن أستمع إليه بأذني فقط بل أظن أن جسدي كله قد تحول في تلك الساعة إلى أذن تسمع وتعي..
استمر الطبيب في كلامه..
- اصبر.. واحتسب.. لست الوحيد الذي تجرى له مثل هذه العملية.. أناس كثيرون أجريت لهم وشُفوا بإذن الله.. وأنت شاب مؤمن وعاقل,لا يحتاج مثلك إلى تصبير وتثبيت.. واصل الطبيب كلماته وهو ينظر إليّ.. أما أنا.. فقد كانت عيناي جاحظتين في عينيه.. نعم كنت أنظر إليه بتركيز شديد..
أما كلامه : فقد اختلطت عباراته الأخيرة بعباراته الأولى.. ولم يثبت في ذاكرتي من كلامه إلا : ورم.. سرطان.. عملية..
ماذا لو كتب الله عليّ الموت أثناء العملية؟.. ماذا ستفعل أمي؟.. أبي الذي جاوز السبعين؟.. إخواني ؟.. أخواتي الصغار؟..
بل كيف سأدخل القبر وحدي؟.. كيف سأمرّ على الصراط؟.. كيف؟ وكيف؟ أين تخطيطاتي.. وشهاداتي.. الزواج.. الوظيفة الجديدة.. كيف يحصل هذا فجأة.. أسئلة كثيرة تتردد في داخلي.. جعلتني أسبح في بحر من الأفكار لا ساحل له..
أخذت أصرخ في داخلي : يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.. يا ليتني قدمت لحياتي الآخرة..
كل المتع التي كنت أجمعها.. والمراكز التي كنت أسعى لها.. تذهب فجأة.. هكذا بدون مقدمات.. ما أقصر هذه الحياة.. والله ما كنت إلا في غرور..
كيف كنت أتتبّع الشهوات.. وأواقع اللذات.. وجهنم قد سعرت.. والأغلال قد نصبت.. والزبانية قد أعدت؟!
تباً لهذه الدنيا.. إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً.. وإن أفرحت أياماً أحزنت أعواماً.. وإن متعت قليلاً أشقت طويلاً..
وأخذت أعاتب نفسي الخاطئة أشدّ المعاتبة..
آه.. ما أطول حزني غداً.. رحماك يا ربّ.. رحماك يا ربّ..
وفجأة قال الطبيب:
- هذه أوراق العملية ! وقع عليها,حتى نحجز لك سريراً , وننهي إجراءات إدخالك إلى المستشفى!!
بقيتُ واجماً أنظر إليه.فقال:
- خذ! ما بالك؟.. خُذ..
- لا.. لن أوقع على شيء!
- كيف؟ لن توقع !! مجنون أنت؟! المصلحة لك وليست لنا.. والمضرة عليك لا علينا.. لا تظن أننا فارغون نبحث عن رأس نتسلى بإجراء عملية فيه!!.. الأمر هام.. وخطير..
- لا.. لن أوقع على شيء..
- عموماً لا نستطيع إلزامك.. ولكن وقع على هذه الورقة حتى نخلي مسؤليتنا منك لو حدث لك نزيف مفاجئ.. أخذت الورقة فإذا فيها:
أقرّ أنا الموقع أدناه أني خرجتُ بطوع إرادتي واختياري من مستشفى.. الخ..
وقعت الورقة وانصرفت..
ولكن أين أذهب..؟! إلى البيت وأخبر أمي وأبي ؟.. أم أرجع إلى المستشفى؟.. أم أذهب إلى مستشفى آخر.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
بعد تفكير سريع قررت أن أذهب إلى مستشفى آخر..
وفي قسم الطوارئ:
- السلام عليكم.. يا دكتور أنا أشكو من صداع في الرأس يصاحبه ضعف في النظر.. وبعد الكشف السريع وعمل الأشعة اللازمة.. قال الطبيب:
- نحتاج إلى أشعة مقطعية دقيقة لرأسك , وهذا غير متوفر حالياً في المستشفى.. اذهب إلى مستوصف خاص واعمل هذه الأشعة.. ثم ارجع إليّ بها.. وحاول أن يكون ذلك سريعاً!
قالها الطبيب ثم سكت..
نزلت إلى السيارة وأخذت أوراق الأشعة ثم صعدت بها إليه ..
- عجباً!! كيف جئت بهذه السرعة !!.. لماذا لم تعمل الأشعة ؟!..
- قد عملتها قبل أن آتيك.. وها هي بين يديك..
أخذ الطبيب يفكك رموز هذه الأوراق..
أما أنا فقد جلست على الكرسي لا تكاد تحملني قدماي..
لكني كنت أكثر ثباتاً من المرة الأولى..
ذكرت الله تعالى.. سبحان الله.. والحمد لله.. ولاإله إلا الله.. والله أكبر.. أستغفر الله.. أستغفر الله.. تذكرت وصيته   لابن عمه عبد الله بن عباس: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك , واعلم أن النصر مع الصبر,وأن مع العسر يسراً.. هان الأمر عليّ.. واطمأنت نفسي..
ماذا سيحدث؟! ورم! لست الأول ولا أظنني الأخير..
أمي .. أبي.. أخوتي.. سيبكون يوماً أو يومين.. ثم ينسون..
فجأة رفع الطبيب سماعة الهاتف واستدعى مجموعة من كبار الأطباء إلى عيادته.. جاءوا.. نظروا في الأوراق.. تحدثوا طويلاً..
كنت أنتظر خبراً مفزعاً..لكني لم أضطرب كثيراً.. علقت أمري بالله.. بدأت الأوهام تعود إليّ.. لماذا أنا بالذات أصاب بالمرض الخبيث؟ الناس كثيرون.. ثم صرخت بنفسي: أعوذ بالله ولماذا أجزم بذلك! لعل ذاك الطبيب قد أخطأ..
صداع عارض وينتهي الأمر..
طالت فترة الانتظار فالتفتُّ إلى الطبيب وسألته:
- هاه.. بشرّ.. ما الخبر؟!
ردّ بنبرة حازمة : انتظر قليلاً.. اصبر..
ثم تركني في دوّامتي ومضى يتلمظ بلغة أعجمية مع زملائه..
لم تمض ساعة حتى انتهوا من نقاشاتهم ثم خرج الأول فالثاني فالثالث..
التفت إليّ الطبيب ثم قال:
اسمع يا عبد الله!..
أنت شاب مؤمن وكل شيء بقضاء الله وقدره.. التقارير والأشعة تدل! على على وجود ورم في رأسك,حجمه يزداد بسرعة مخيفة,وهو الآن يضغط على عروق العين من الداخل وفي أي لحظة قد يزداد هذا الضغط.. فتنفجر عروق العين من الداخل.. فتصاب بالعمى.. ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ..
ثم تموت!!..
لذا لا بدّ أن تدخل الآن إلى المستشفى.. والليلة تدخل غرفة العمليات.. ونزيل جزءاً من عظم الجمجمة ثم نخرج الورم.. وبعد ذلك نعيد العظم مرة أخرى..
ثم سكت الطبيب..
أما أنا فقد كانت الصدمة عليّ أهون من الأولى.. تقبلت الخبر بهدوء تعجب منه الطبيب ثم رفعت سماعة الهاتف واتصلت بوالدي..
جاء والدي..
شيخ كبير تجاوز السبعين من العمر.. أحضره السائق.. فنظره الكليل لا يساعده على القيادة.. كم تعب واجتهد في التربية والعناية.. جزاه الله خيراً..
لما رآني أبي.. فزع من وجوم وجهي واصفرار عيني.. وقال وهو واقف :
ما الذي جاء بك إلى هنا.. ولماذا جئت.. و..
قلت له : يا أبي.. تعلم أني أشكو من صداع دائم وذهبت إلى مستشفى.. وعملوا لي الفحوصات.. ثم جئت إلى هذا المستشفى.. وبعد الفحوصات أخبروني أن عندي ورم في الرأس ولا بدّ من إجراء عملية عاجلة في الرأس..
سمع أبي هذه الكلمات فكان أقل تحملاً مني.. صاح بي:
ورم.. ورم.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. ثم جلس على الأرض.. وهو يردد:
إنا لله وإنا إليه راجعون.. إذاً نرسلك لتعالج مع أخيك في أمريكا.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. قال هذه الكلمات وهو يتذكر معاناته منذ سنة كاملة مع أخي الأكبر عبد الرحمن الذي يعالج في أمريكا من مرض السرطان..
كم رأيت أبي يبكي في الهاتف وهو يكلمه..
كم كان يدعو له آخر الليل.. وفي الصلوات.. كان حزن أبي عليه ظاهراً.. خاصة إذا رأى أولاد عبد الرحمن الصغار يسألون عن أبيهم : جدي أين بابا.. لماذا ما عندنا أب مثل بيقة بقية الأولاد..
أخذت أنظر إلى أبي ودموعه تسيل على خديه.. وهو يرى أولاده يموتون بين يديه.. فأخي خالد توفي في حادث سيارة قبل سنتين.. وأخي عبد الرحمن يصارع الموت في أمريكا.. وأنا في أول طريق لا تعرف نهايته..
التفت أبي إلى الطبيب.. وحاول أن يتجلد وهو يسأله عن خطورة المرض.. لكن عاطفة الأبوة كانت أقوى.. فبدأت الدموع تسيل من عينيه..
قال الطبيب:لا تحزن يا أبا عبد الله.. الأمر سهل إن شاء الله.. اطمئن..
قال أبي:يا دكتور.. نريد أن تعطينا الأوراق والفحوصات الخاصة بعبد الله وسوف يسافر إلى أمريكا.. يعالج هناك مع أخيه..
وافق الطبيب على ذلك.. أخذ أبي الأوراق.. وتمت الحجوزات بسرعة.. وسافرت إلى أمريكا مع أخي عبد العزيز..
وصلنا إلى المستشفى مساء.. عملوا لي التحليلات والفحوصات اللازمة..
كل شيء تم بسرعة..
وفي الصباح أدخلوني غرفة العمليات.. كم هي غرفة مفزعة.. أجهزة هنا
وهناك.. سكاكين ومقصات ومشارط.. كأني في مشرحة.
وجوه واجمة.. وأعين تنظر إليك بتلهف كأنما تريد أن تفترسك..
أيدي الأطباء تألف الدماء.. لا أتصرف في نفسي بل هم يتصرفون في كيفما شاءوا.. حملوني ( نعم حملوني حملاً ) من على السرير المتحرك إلى سرير العمليات..
بسم الله.. لا إله إلا الله.. ذكرت الله ذكراً كثيراً..
بقيت أنتظر بداية العملية.. وأتأمل في وجوه من حولي..
رفعت يدي إلى رأسي أتحسسه.. مسكين يا رأسي!!كيف سيكون حالك بعد قليل.. وقف الممرضون ينتظرون.. يظهر أن الطبيب الذي سيباشر العملية لم يصل بعد.. فجأة فتح باب غرفة العمليات ودخل رجل لا ترى منه إلا عينيه.. صافحني بلطف.. ثم أشار إلى أحدهم فجأء بإبرة كبيرة ( إي والله كبيرة ) ثم طعن بها فخذي فكان آخر عهدي بالدنيا.. دخلت في غيبوبة تامة.
حلق الطبيب شعر رأسي.. ثم قطع فروة رأسي على هيئة دائرية.. ثم بدأ ينشر عظم الجمجمة.. حتى نزع أعلاها .. ووضع العظم بجانبه.. ولم يكن حجم هذا العظم صغيراً.. كان بحجم الصحن الصغير..
ثم اخرج الورم.. وكان أكبر من البيضة بقليل..
الأمور تسير على ما يرام..
وفجأة اضطرب الدم في عروق الدماغ.. ثم توقف الدم في الشرايين وأصابتني جلطة في الدماغ..
فاضرب الطبيب وحرّك – خطئاً – الأعصاب المتصلة بالمخيخ فأصابني شلل نصفي في الجزء الأيسر من جسمي..
فلما رأى الطبيب ذلك أنهى ما تبقى من العملية بسرعة.. وسارع إلى إرجاع عظم الجمجمة إلى مكانه.. وغطى بالجلد فوقه.. وخيّط المكان..
ثم حملوني من على سرير العملية وألقوني فوق السرير المتحرك.. وساقوني إلى غرفة العناية المركزة التي يسمونها غرفة ال(إن عاش)
مكثت بعد العملية في غيبوية تامة لمدة خمس ساعات..
وفجأة أصابتني جلطة في الرجل اليسرى.. فحملوني سريعاً إلى غرفة العمليات وفتحوا صدري ووضعوا لي فلتراً صغيراً على أحد شرايين القلب.. ثم أعادوني إلى غرفة ال( إن عاش ) استقرّت حالتي أربع ساعات.. ثم أصبت بنزيف شديد في الرئة..!!..
حملوني للمرة الثالثة – أو لعلها الرابعة – إلى غرفة العمليات وفتحوا صدري مرة أخرى ونظفوا الرئة من الدم.. وعالجوا النزيف.. ثم أعادوني إلى غرفة ال(إن عاش).. ضاق الطبيب بأمري ذرعاً.. أمراض متتابعة.. حالة متقلبة.. مفاجآت لا آخر لها.. استقرّت حالتي أربع وعشرين ساعة.. أحس الطبيب بشيء من الانتعاش والسرور . وفجأة بدأت حرارة جسدي ترتفع بشكل مخيف..
أجرى الطبيب فحصاً سريعاً عليّ..فاكتشف بعد الفحص الدقيق أن العظم الذي استخرج الورم من تحته قد أصابه التهاب شديد.. ولا بدّ من إخراجه وتعقيمه.. قبل أن يؤدي إلى تسمم في الدماغ!!
استدعى الطبيب فريق العمليات.. ثم حملوني كالجنازة.. وألقوني على سرير في غرفة العمليات..
بدأت أنظر إليهم.. لا أملك من أمري شيئاً.. وكلت أمري إلى الله.. غلبني البكاء فبكيت تمنيت أن أرى أمي وأبي لأقبل أيديهما.. بل والله وألثم أرجلهما.. قبل أن أودع الدنيا.. دعوت الله واستغثت به : ربِّ إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.. ثم رفعت بصري إلى السماء وقلت : يا أرحم الراحمين.. إن كانت هذه عقوبة فأسأل الله المغفرة والرحمة.. وإن كانت بلاء فارزقني الصبر على البلاء.. وعظم لي الأجر والجزاء.. ثم غلبني البكاء.. فأخذ الممرضون يصيحون بي بلغة أعجمية.. لم أفهم ما يقولون.. لكني كنت أعلم أنهم يصمتونني.. غالبت نفسي.. وتصبرت..
ذكرت هادم اللذات.. وتفكرت في انحلال الملذات ..
طالما سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي..
كلما نصحني الناصحون.. قلت:عن قريب أتوب.. وما تبت..
قد غرّني فيما مضى شبابي.. وجمال سيارتي وثيابي.. ونسيت الاستعداد للحياة الأخرى.. والله لقد عظمت كربتي.. وذهبت قوتي.. وغداً يصبح التراب فراشي.. ليتني كنت من قوّام الليل.. الذين أطار ذكر النار عنهم النوم.. وأطال اشتياقهم إلى الجنان الصوم..
فنحلت أجسادهم.. وتغيرت ألوانهم..
تفكرت في الحشر والمعاد.. وتذكرت حين يقوم الأشهاد..
ويلي.. إن في القيامة لحسرات.. وإن في الحشر لزفرات.. وعلى الصراط عثرات.. وعند الميزان عبرات.. والظلم يومئذ ظلمات.. والكتب تحوي أخفى النظرات.. والحسرة العظمى عند عرض السيئات.. فريق في الجنة يرتقون الدرجات.. وفريق في السعير يهبطون الدركات.. وما بيني وبين هذا إلا أن يقال : فلان مات..
وأخشى أن أصيح: ربّ ارجعوني.. فيقال : العمر.. فات..
عجباً للموتى.. جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا.. وبنوا مساكنهم فما سكنوا.. تباً لهذه الدنيا.. أولها عناء.. وآخرها فناء.. حلالها حساب.. وحرامها عقاب.. تفكرت في حالي..
فإذا عمري محدود.. ونفسي معدود.. وجسمي بعد الممات مع الدود..
آه.. إذا زلت يوم القيامة القدم.. وارتفع البكاء وطال الندم..
ويلي إذا قدمت على من يحاسبني على الصغير والكبير ..
يوم تزل بالعصاة الأقدام.. وتكثر الآهات والآلام.. وتنقضي اللذات كأنها أحلام.. ثم بكيت.. نعم.. بكيت وتمنيت البقاء في الدنيا.. لا لأجل التمتع بها.. وإنما لأصلح علاقتي بربي جل جلاله..
وفجأة..
أقبل الطبيب نحوي.. فأردت أن أسأله عن المرض.. ولماذا هذه المضاعفات.. فلم يلتفت إليّ.. وإنما أمر بتخديري تخديراً عاماً..
فلما غبت عن الدنيا.. سل سكاكينه ومشارطه..
ثم انتزع فروة الرأس التي تغطي العظم.. وأخرج العظم ووضعه جانباً.. ثم أعاد الجلد فوق الدماغ من غير عظم!!..
استغرقت العملية ساعات.. وبعدها حملوني.. وألقوني على سرير في غرفة ال ( إن عاش) أفقت من إغمائي.. فإذا الأجهزة تحيط بي من كل جانب.. هذا لقياس التنفس.. وهذا لقياس الضغط.. والثالث لضربات القلب.. والرابع.. والممرضون يحيطون بي من كل جانب..
تعجبت من هذه المناظر.. أين أنا.. بقيت واجماً..
ثم تذكرت أني في أمريكا.. وأني قد كنت في غرفة العمليات..
رفعت يدي وتحسست رأسي فإذا هو ليّن.. أين العظم؟!.. بالأمس كان رأسي مكتملاً.. بكيت.. سألت الطبيب : أين بقية رأسي ؟!!
فقال لي بكل برود : عظمك يبقى عندنا لتعقيمه.. وبعد ستة أشهر ترجع إلينا لنعيده مكانه.. مكثت أياماً تحت العناية المركزة.. ثم أخرجت منها..
مكثت في أمريكا شهراً كاملاً.. ثم رجعت إلى الرياض ..
وها أنذا أنتظر الأشهر الستة لأستعيد بقية رأسي !!..
ثم سكت عبد الله.. وهو يدافع عبراته.. وحق له أن يبكي..
أما أنا..
فاستمعت منه هذه الكلمات.. وأنا في أشد العجب من تقلب الزمان على أهله.. فبعد ما كان شاباً مفتول العضلات.. بهيّ الوجه.. يتقلب بين المال الوفير.. والوظيفة.. والصحة.. والعائلة المرموقة.. و.. ثم هو الآن على هذا الحال..
فسبحان من يقضي ولا يُقضى عليه..
ما أحقر هذه الدنيا.. حقاً إن الآخرة هي دار القرار..
ومضت الأيام.. وأنا أزوره من حين لآخر..
ومع العلاج منَّ الله عليه فشُفي من الشلل واستطاع المشي..
فانقطعت عنه مدة.. ثم اتصل بي وأخبرني أنه سيسافر إلى أمريكا لاستعادة بقية
رأسه.. وبعد رجوعه جئته زائراً فإذا وجهه متهلل فرح مسرور.. وقد أكمل الله عليه نعمته واستعاد بقية رأسه.. وناولني بطاقة يدعوني فيها إلى زواجه..
أما حال الشاب الآن فهو من الصالحين.. بل من الدعاة إلى الله تعالى.. الذين يخدمون الدين بكل ما يملكون..
إن نظرت إلى المساكين وجدت أنه يكفل عدداً منهم.. يتولى جمع الزكوات وإنفاقها عليهم بل إن له باعاً في تنسيق المحاضرات لبعض الدعاة..
والمساعدة في طباعة الكتب وتوزيعها.. إلى غير ذلك من وجوه الخير.. ﴿ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.. ﴾
أسأل الله تعالى لي.. وله.. ولك.. ولجميع المسلمين الثبات على دينه.. آمين.
وبعد:
أيها الأخ الكريم..
أيتها الأخت الكريمة ..
لا أدري كيف أبدأ معك الكلام..
ولا أدري هل ستقبل مني أم لا..
ولكن لا بدّ من المصارحة.. فأنت أخ مسلم لك عليّ حق النصح والتوجيه.. و والله ما كتبت إليك هذه الكلمات إلا لأنني أحب لك ما أحب لنفسي من الخير.. فأحسن بي الظن.. ولا تعجل بتمزيق أوراقي..
أنت عبد لله تعالى تقف بين يديه كل يوم خمس مرات.. وكل ذرة من ذرات
جسمك.. بل وكل نفس من أنفاسك لا يتحرك إلا بإذن خالقك .. فهل سألت نفسك
يوماً : كيف علاقتي معه ؟!!
هل هو راض عني أم لا ؟!!
كيف سيكون اللقاء يوم القيامة ؟!..
أنت وحدك الذي تستطيع أن تجيب عن هذه الأسئلة..
والاشتغال بالطاعات.. والكف عن المحرمات.. هو سبيل الوصول إلى رضى الله تعالى.. بل هو سبيل دخول الجنة..
قال   :    كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ! قيل : ومن يأبى يا رسول الله ؟! قال من أطاعني دخل الجنة , ومن عصاني فقد أبى   (2).
هذه هي الوصية الأولى لمن أراد أن يكون من أهل الجنة.. أن يوقن أنه في هذه الدنيا عابر سبيل.. وأن الدار الآخرة هي دار القرار.. وأن البلاء قد ينزل به في أي لحظة.. وأن النفس إذا خرج فقد لا يعود إليه..
ولا يغتر بماله وصحته وقوته.. ولا بجاهه ومنصبه.. فإنما هذه أحلام قد تزول في طرفة عين..
قال الشيخ (3):
دعاني ابن لأحد كبار التجار يوماً لزيارة والده المريض..
سألت الولد عن مرض أبيه.. فقال : هو مصاب بتليّف في كبده.. وسرطان في أجزاء أخرى من جسده.. لكن الطبيب لم يخبره بذلك.. ونحن لم نخبره أيضاً.. فهو لا يدري عن مرضه شيئاً..
دخلت على هذا التاجر.. فإذا هو على السرير الأبيض عمره لم يتجاوز الستين.. لم يتمكن المرض منه بعد.. ولا يزال جسمه نيشطاً.. إلى حد ما..
صافحني ثم أمر أولاده بالخروج..
فلما خرجوا وبقيت أنا وهو.. ظل ساكتاً.. ثم بكى.. والتفت إليّ وقال :
آه.. يا شيخ.. تباً لهذه الدنيا.. منذ أن عرفت نفسي وأنا أجمع الأموال.. وأعدها عداً.. وأغامر في مختلف التجارات.. كم كنت اتعب في ذلك.. وأنشغل عن عبادة ربي.. كم نمت عن الصلاة بسبب السهر على الأموال.. ومتابعة الشركات.. وكم غفلت عن قراءة القرآن.. وبخلت عن الإنفاق على المساكين والأيتام..
والله يا شيخ..
كلما حدثتني نفسي بالاهتمام بديني.. والالتفات إلى آخرتي..
قلت لها : ليس بعد.. بل إذا بلغت الستين.. أعطيت نفسي تقاعد.. واشتريت مزرعة.. وأقمت في راحة وعبادة.. حتى الموت..
ثم ها أنذا يفجعني ما نزل بي من المرض.. وأسأل أولادي عن المرض.. فيقولون : هو التهابات يسيرة واضطرابات في الهضم.. وأنا أظن الأمر على غير ذلك..
ثم بكى الرجل وقال :
هل رأيت أولادي هؤلاء.. الذين يدعونك لزيارتي.. ويظهرون الشفقة والرحمة بي.. بالأمس جلسوا عندي فتظاهرت بالنوم ليخرجوا عني..
فلما ظنوا أني قد نمت بدؤوا يتكلمون عن تجاراتي.. ويحسبون أموالي.. وكم سينال كل واحد منهم من التركة.. وكيف سيتمتع بالمال..
ثم ارتفعت أصواتهم.. واختصموا على عمارة كبيرة لي.. قال الأول : نبيعها وندخل ثمنها في التركة.. وقال الآخر : بل نؤجرها.. وصاح الثالث: بل تكون من نصيبي.. وارتفعت الأصوات.. تباً لهم.. يختصمون في مالي وأنا حي بين أظهرهم..
ثم بدا ينوح على نفسه.. ولسان حاله يردد: ﴿  ما أغنى عني ماليه   هلك عني سلطانيه .. ﴾  ﴿  رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت.. ﴾
هذه هي الوصية الأولى لمن أراد أن يكون من أهل الجنة ..
منقول من
د . محمد بن عبد الرحمن العريفي
تابع باقي الموضوع اسفل





توقيع : فيصل





هل تبحث عن وظيفة؟ I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 04, 2014 10:39 am
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
المراقب العام
الرتبه:
المراقب العام
الصورة الرمزية

فيصل

البيانات
الجنس : ذكر
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: هل تبحث عن وظيفة؟



هل تبحث عن وظيفة؟





أما الوصية الثانية :
فإن أهل الجنة.. إذا ضاق صدر أحدهم بمصيبة.. أو اشتاقت نفسه إلى حاجة.. بسط في ظلمة الليل يداً سائلة.. وسجد بنفس واجلة.. وسأل ربه من خير كل نائلة.. وأحسن الظن بربه.. وعلم بأنه واقف بين يدي ملك.. لا تشتبه عليه اللغات.. ولا تختلط عنده الأصوات.. ولا يتبرم بكثرة السائلين وتنوع المسئولات.. إذا جن عليهم الليل.. وفتح ربهم أبواب مغفرته.. كانوا أول الداخلين.. فهم المؤمنون بآيات الله حقاً..﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون  تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون  فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون.. ﴾
وقد أمر النبي  بقيام الليل.. وصلاة الوتر فقال  :  إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن  (4)..
ويجمع الله لمن يصلي الوتر بين نعمتي الدنيا والآخرة.. قال  :  عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وإن قيام الليل قربة إلى الله ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد  (5) ..
والعجب.. أن صلاة الوتر هي أسهل العبادات.. ومع ذلك يهملها كثير من الناس.. لو أن إنساناً صلى المغرب.. فقلنا له : يا فلان لم لا تصلي سنة المغرب؟! فسألنا : كم ركعة سنة المغرب؟
فقلنا له : هي ركعتان.. فقال : سوف أصليها ركعة واحدة !!
لقلنا له : لا يجوز.. صلها ركعتين أو لا تصلها..
وكذلك صلاة الضحى.. وسنة الفجر.. وسنة العشاء.. وصلاة الاستخارة.. أقلها ركعتان.. أما صلاة الوتر.. فهي أفضل النوافل على الإطلاق.. ومع ذلك خففها رب العالمين على الناس فيجوز أن تصليها ركعة.. فصلها ولو ركعة واحدة تقرأ فيها سورة ﴿ قل هو الله أحد ﴾ ما تستغرق منك دقيقتين..
نعم تصلي ركعة واحدة وتكتب عند الله ممن صلوا الليل.. فإذا جيء إلى الله يوم القيامة بأسماء قوام الليل في تلك الليلة تجد اسمك من بينهم وأنت ما صليت إلا ركعة واحدة.. فكيف لو زدت وصليت ثلاث ركعات.أو خمساً.. أو سبعاً.. هذا أفضل.. ومن زاد فله الزيادة عند الله..
وليس شرطاً أن تصليها قبل الفجر.. بل صلها بعد العشاء مباشرة أو قبل النوم.. وكان النبي  إذا حزبه أمر.. أو ضاق صدره.. فزع إلى الصلاة..
وكان يقول أرحنا بها يا بلال.. وقال  جعلت قرة عيني في الصلاة..
وكان للصالحين مع الصلاة شأن عجيب.. قال أبو صالح ابن أخت مالك بن دينار : كان خالي مالك بن دينار إذا جن عليه الليل دخل إلى غرفة بيته وأغلق عليه الباب ولا يخرجه إلينا إلا أذان الفجر.. فبكرت يوماً إلى الغرفة واختبأت في إحدى زواياها في ظلمة الليل.. فدخل خالي وفرش سجادته.. وصف قدميه عليها فلما رفع يديه ليكبر.. غلبه البكاء فبكى.. ثم أخذ يبكي ويستغفر ويبتهل.. ثم قبض على لحيته وقال: اللهم إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك على النار.. وأخذ يرددها ويبكي..
واعلم أخيراً.. أن الإكثار من الصلاة والسجود لله تبارك وتعالى من أسباب دخول الجنة..
عن ربيعة بن كعب  قال : كنت أبيت مع رسول الله  , فآتيه بوضوئه وحاجته , فقال لي: سل , فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة , فقال: أو غير ذلك ؟.. قلت : هو ذاك , فقال :  فأعني على نفسك بكثرة السجود  (6).
ومن ذلك : صلاة السنن والرواتب.. قال  : من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة : أربعاً قبل الظهر , وركعتين بعدها , وركعتين بعد المغرب , وركعتين بعد العشاء , وركعتين قبل صلاة الغداة ( الفجر ) (7).
الوصية الثالثة :
إن من أعظم صفات أهل الجنة هي أن وظيفة أحدهم الأساسية في هذه الحياة هي عبادة الله.. والدعوة إليه.. والعمل لهذا الدين.. ونصح الناس.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبصراحة..
بعض الناس إذا سمع الحديث حول الدعوة إلى الله.. ظن أن الدعوة مقصورة على من أعفى لحيته وقصر ثوبه.. ثم قال لك : أنا أحلق لحيتي.. وأسبل ثوبي..
وأدخن.. وجعل هذه الأمور حائلاً بينه وبين الدعوة إلى الله تعالى ونصح المقصرين.. وهذا خطأ من وساوس الشيطان..
نعم لا أنكر أن الأصل في الداعية أن يكون مستقيماً مطبقاً لما يدعو إليه.. ولكن لا يعني هذا أن يترك الرجل الطاعات بسبب وقوعه في بعض المعاصي.. ولعل تلك المعاصي أن تغوص في بحر الحسنات..
بل قد يستطيع المقصر أن يصل إلى أشخاص لا يستطيع أن يصلهم الداعية
المستقيم.. فأنت وإن كنت مقصراً إلا أنك تستطيع أن تدعو تارك الصلاة إلى أن يصلي.. فترك الصلاة كفر..
أنت تستطيع أن تنصح من يقع في الفواحش أن يتوب منها.. تنصح من يتعرض لأعراض المسلمين بأن يكف عن ذلك..
بل قد يجالس الداعية المستقيم بعض الناس ولا يعلم أنهم يأكلون الربا.. أو يقعون في الفواحش.. أو يتركون الصلاة.. لأنهم يتظاهرون بالخير أمام الصالحين.. أما من رأوه مثلهم فلا يتصنعون أمامه بشيء.. بل يكشفون أمامه أوراقهم.. ويظهرون كل شيء.. أما كيف تنصحهم وتدعوهم.. فهذا يكون بأساليب شتى.. كإهداء الأشرطة النافعة إليهم.. ودعوة بعض الدعاة إلى مجالسكم أحياناً.. والنصيحة الفردية لهم.. وغير ذلك.. ولا تقل أنا غير ملتزم فكيف أدعو وأنصح ؟!.. فإن وظيفة الدعوة إلى الله وظيفة ربانية واسعة.. كثيرة الأساليب لا تزال تحتاج إلى عاملين.. وكلنا ذوو خطأ.. وكل بني آدم خطاء..
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب
فمن يعظ العاصين بعد محمد ؟!

قال الشيخ :
خرجت من المسجد يوماً فجاءني شاب عليه آثار المعصية.. وقد اسودت شفتاه من كثرة التدخين.. فعجبت لما رأيته.. ماذا يريد.. فلما سلم عليّ قال : يا شيخ أنتم تجمعون أموالاً لبناء مسجد أليس كذلك ؟
قلت : بلى..
فناولني ظرفاً مغلقاً وقال : هذا مال جمعته من أمي وأخواتي وبعض المعارف.. ثم ذهب.. ففتحت الظرف فإذا فيه خمسة آلاف ريال.. وأنفق هذا المال في بناء المسجد.. واليوم لا يذكر الله في ذلك المسجد ذاكر.. ولا يتلو القرآن قارئ.. ولا يصل مصل.. إلا وكان في ميزان ذاك الشاب مثل أجره.. فهنيئاً له..
ولو أن هذا الشاب استسلم لتخذيل الشيطان وقال : أنا عاص.. فإذا تبت بدأت أخدم الدين وأبني المساجد.. لفاته أجر عظيم.. وقد قال  :  من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً  (Cool.
- وأعرف اثنين من الشباب - المقصرين - هما منذ سنوات.. إذا أقبل شهر رمضان أو موسم الحج ركبا في سيارة وأخذا معهما أدوات خاصة بإصلاح أعطال السباكة والكهرباء.. ثم توجها إلى مكة.. ومرا على جميع دورات المياه التي في طريق الحجاج والمعتمرين وأصلحاً أعطالها.. خدمة لإخوانهم المسلمين.. ولا أحد يعرف عنهما ذلك..
وحدثني أحد الدعاة أنه طرق عليه الباب في آخر الليل..
قال الشيخ : فخرجت فزعاً فإذا شاب عليه آثار التقصير والمعصية.. فسألته : ماذا تريد ؟!
فقال : معي في السيارة اثنان من العمال الهنود أسلما على يدي وقد أحضرتهما إليك لتلقنهما الشهادة وتجيب عن أسئلتهما..!!
قال الشيخ : فعجبت وقلت.. كيف دعوتهما ؟
فقال : لا زلت أتابعهما بالكتب والأشرطة حتى أسلما..
- وحدثني أحد العاملين في مكتب للدعوة والإرشاد أن شاباً مدخناً.. وعنده معاص أخر. ومع ذلك فإن هذا الشاب إذا أقبل رمضان جمع تبرعات من التجار ثم اشترى آلاف الأشرطة وحملها إلى مكاتب الدعوة لتوزيعها خلال نشاطاتهم في رمضان.. طالما اشتكى العاملون في مكاتب الدعوة والإرشاد من قلة المتعاونين معهم.. ويقسم لي أحدهم : أن بعض العمال الكفار ليس بينه وبين الإسلام إلا أن يتفرغ له شخص أسبوعاً أو أسبوعين يأتي به إلى مكتب الدعوة لحضور المحاضرات.. ولا يجد المكتب متعاوناً يهتم بمثل هذا..
بل.. كم من خادمة كافرة ما نشط أصحابها في دعوتها ولا أهدوا لها كتاباً ولا شريطاً عن الإسلام.. فبقيت على كفرها.. وكم من شاب فاجأه الموت وهو تارك للصلاة.. أو مقيم على كبيرة من الكبائر.. لأن الدعاة ما استطاعوا الوصول إليه.. وأصحابه ما نشطوا في نصيحته..
وكم من فتاة ترى زميلاتها في المدرسة.. يتبادلن الصور الأشرطة المحرمة.. بل وأرقام الهواتف المشبوهة.. ومع ذلك إذا طالبناها بنصيحتهن قالت : أنا احتاج إلى من ينصحني.. أنا مقصرة.. إذا أصبحت ملتزمة نصحتهن..
عجباً..
ما أسعد الشيطان بسماع هذه الكلمات..
كيف دخل الإسلام إلى أفريقيا والهند والصين..!! حتى صار في الهند مائة مليون مسلم.. وفي الصين قريباً من ذلك.. من دعا هؤلاء ؟..
إنهم أقوام من عامة الناس.. ليسوا طلبة علم.. ولا أئمة مساجد.. ولا تخرجوا من كليات شرعية..
أقوام ذهبوا للتجارة.. فدعوا الناس فأسلموا على أيديهم.. فخرج من هؤلاء المسلمين الهنود والصينيين والأفارقة علماء ودعاة.. وأجر هدايتهم لأولئك التجار..
لقد سألت مراراً عداداً من العمال الكفار الذين في محطات البنزين.. أقول لأحدهم : منذ متى وأنت في هذه البلاد فيقول : منذ خمس سنوات.. وسبع سنوات.. فأقول : هل أعطاك أحد شريطاً أو كتاباً عن الإسلام منذ جئت إلى هنا ؟! فيعتصر قلبي بقوله :لا.. كل الناس يملئون سياراتهم بالوقود ويذهبون..
يا أخي قد تكون مقصراً.. بل قد تستمع إلى الأغاني.. وقد تدخن.. وقد تقع في المعاصي ولكن أنت مسلم أولاً و آخراً..
وقد قال لك النبي  : بلغوا عني ولو آية  .. أفلا تحفظ آية تبلغها..
إن توزيع الأشرطة.. ونشر الكتب.. وتوزيع بطاقات الأذكار.. أمور لا تحتاج إلى علم.. من منا إذا سافر أخذ معه مجموعة من الأشرطة النافعة ثم إذا وقف في محطة وقود وضع في البقالة بعضها.. والبعض الآخر في مسجد المحطة.. أو وزعها على السيارات الواقفة.. الناس في الطريق لابد أن يستمعوا إلى شيء فكن معيناً لهم على سماع الذكر والخير..
من منا إذا رأى كتاباً نافعاً اشترى منه كمية ثم وزعها في مسجده.. أو أهداها لزملائه في العمل.. أو طلابه في المدرسة..
وأنا بكلامي هذا لا أسوغ الوقوع في المعاصي.. أو أعتذر عن أصحابها.. ولكن..
ذكر إن نفعت الذكرى ولا ينبغي أن تحول المعصية بين صاحبها وبين خدمة هذا الدين..
أبو محجن الثقفي  رجل من المسلمين كان قد ابتلى بشرب الخمر.. وطالما عوقب عليها ويعود.. ويعاقب ويعود.. بل كان من شدة تعلقه بالخمر يوصي ولده ويقول :
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
ولا تدفنــــي في الفلاة فإننـــي
تروي عظامي بعد موتي عروقها
أخــــاف إذا ما مت أن لا أذوقهـــا

فلما تداعى المسلمون للخروج لقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو
محجن.. وحمل زاده ومتاعه.. ولم ينس أن يحمل معه خمراً.. دسها بين متاعه.. فلما وصلوا القادسية.. طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين.. وبدأت المراسلات بين الجيشين.. عندما وسوس الشيطان لأبي محجن  فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر.. فلما علم به سعد  غضب عليه.. وحرمه من دخول القتال.. ثم أمر به فقيد بالسلاسل.. وأغلق عليه في
خيمة..
فلما ابتدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول.. وصيحات الأبطال.. لم يطق أن يصبر على القيد.. واشتاق إلى الشهادة.. بل اشتاق إلى خدمة هذا الدين.. وبذل روحه لله تعالى.. نعم.. وإن كان عاصياً.. وإن كان مدمن خمر.. إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله.. فأخذ يتحسر على حاله ويترنم قائلاً:
كفى حزناً أن تدحم الخيل بالقنى
إذا قمت عناني الحديد وغلقــت
وقد كنت ذا مال كثير وأخــــوة
فلله عهد لا أحيـــف بعهــــده
وأترك مشدوداً علــــي وثاقيــــا مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد تركوني مفرداً لا أخا ليــــــا
لإن فرّجت ألا أزور الحوانيـــــا

ثم أخذ ينادي بأعلى صوته..
فأجابته إمرأة سعد : ماذا تريد ؟
فقال : فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد.. فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد.. وأن بقيت فلك علي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في قدمي.. وأخذ يرجوها ويناشدها.. حتى فكت قيده وأعطته البلقاء.. فلبس درعه.. وغطى وجهه بالمغفر.. ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس.. وألقي نفسه بين الكفار يدافع عن هذا الدين ويحامي..
علق نفسه بالآخرة ولم يفلح إبليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين.. حمل على القوم يلعب برقابهم بين الصفين برمحه وسلاحه.. تعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه في النهار.. ومضى أبو محجن يقاتل.. ويبذل روحه رخيصة في ذات الله.. نعم.. مضى أبو محجن..
أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال.. لكنه كان يرقب القتال من بعيد.. فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله.. وقال : الضرب ضرب أبي محجن.. والكرُّ كرُّ البلقاء.. وأبو محجن في القيد.. والبلقاء في الحبس..!! فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه.. ووضع رجله في القيد.. ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟
فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال: والله لا جلدتك في الخمر أبداً . فقال أبو محجن : وأنا والله لا شربت الخمر أبداً..
فلله در أبي محجن(9)..


الوصية الرابعة :
ذكر ابن كثير في تاريخه أن رجلاً من ضعفاء الناس كان له على أحد الأمراء مال كثير.. فماطله ومنعه حقه.. وكلما طالبه به آذاه.. وأمر غلمانه بضربه.. فاشتكاه إلى قائد الجند.. فما زاده ذلك إلا منعاً وجحوداً..
قال هذا الرجل المسكين:
فلما رأيت ذلك.. يئست من المال الذي عليه ودخلني غم من جهته.فبينما أنا كذلك وأنا حائر إلى من أشتكي..
إذا قال لي رجل : ألا تأتي فلاناً الخياط أمام المسجد..
فقلت : ما عسى أن يصنع خياط من هذا الظالم ؟ وأعيان الدولة لم يقطعوا فيه..
فقال : الخياط هو أقطع وأخوف عنده من جميع من اشتكيت إليه.. فاذهب لعلك أن تجد عنده فرجاً..
قال : فقصدته غير محتفلاً في أمره.. فذكرت له حاجتي ومالي وما لقيت من هذا الظالم.. فقام وأقفل دكانه.. ومضى يمشي بجانبي حتى وصل إلى بيت الرجل.. وطرقنا الباب.. ففتح الرجل الباب مغضباً.. فلما رأى الخياط.. فزع.. وأكرمه واحترمه..
فقال له الخياط : أعط هذا الضعيف حقه..
فأنكر الرجل وقال : ليس له عندي شيء..
فصاح به الخياط وقال : ادفع إلى هذا الرجل حقه وإلا أذنتْ..!!
فتغير لون الرجل ودفع إلي حقي كاملاً..
ثم انصرفنا..
وأنا في أشد العجب من هذا الخياط.. مع رثاثة حاله.. وضعف بنيته.. كيف انقاد ذلك الكبير له..
ثم إني عرضت عليه شيئاً من المال فلم يقبل..
وقال : لو أردت هذا لكان لي من المال شيء لا يحصى..
فسألته عن خبره وذكرت له تعجبي منه.. فلم يلتفت إليّ.. فألححت عليه..
وقلت : لماذا هددته بأن تؤذن ؟!..
قال : قد أخذت مالك فاذهب.. قلت : لا بد والله أن تخبرني..
فقال : إن سبب ذلك أنه كان عندنا قبل سنين في جوارنا تركي من أعالي الدولة وهو شاب حسن جميل.. فمرت به ذات ليلة امرأة حسناء قد خرجت من الحمام وعليها ثياب مرتفعة ذات قيمة..
فقام إليها وهو سكران فتعلق بها يريدها على نفسها ليدخلها منزله.. وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها وتقول:أنا امرأة متزوجة.. وهذا رجل يريدني على نفسي ويدخلني منزله.. وقد حلف زوجي بالطلاق أن لا أبيت في غير منزله ومتى بت ها هنا طلقت منه.. ولحقني عار ومذلة.. لا تغسلها الأيام ..
قال الخياط : فقمت إليه فأنكرت عليه وأردت خلا ص المرأة من بين يديه فضربني بسكين في يده فشج رأسي وأسال دمي..
وغلب المرأة على نفسها فأدخلها منزله قهراً.
فرجعت فغسلت الدم عني وعصبت رأسي.. وصحت بالناس و قلت..
إن هذا فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه ونخلص المرأة منه.. فقام الناس معي فهجمنا عليه في داره فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيدهم العصي والسكاكين يضربون الناس.. وقصدني هو من بينهم فضربني ضرباً شديداً مبرحاً حتى أدماني.. وأخرجنا من منزله ونحن في غاية الإهانة والذل..
فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة الدماء.. فنمت على فراشي فلم يأخذني النوم.. وتحيرت ماذا أصنع حتى انقذ المرأة من يده في الليل لترجع فتبيت في منزلها حتى لا يقع عليها من زوجها الطلاق.. فألهمت أن أؤذن للصبح أثناء الليل لكي يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها من منزله.. فتذهب إلى منزل زوجها..
فصعدت المنارة وبدأت أؤذن وأرفع صوتي..
وجعلت أنظر إلى باب داره هل أرى المرأة خرجت.. ثم أكملت الأذان فلم تخرج.. ثم عزمت على أنه إن لم تخرج أقمت الصلاة حتى يتحقق الخبيث أن الصباح قد خرج..فبينما أنا أنظر هل تخرج المرأة أم لا.. إذ امتلأت الطريق فرساناً ورجالاً..
وهم يقولون : أين الذي أذن هذه الساعة ؟ وينظرون إلى منارة المسجد..
فصحت بهم : أنا الذي أذنت.. وأنا أريد أن يعينوني عليه..
فقالوا: انزل ! فنزلت..
فقالوا: أجب الخليفة.. ففزعت.. وسألتهم بالله أن يسمعوا القصة فأبوا.. وساقوني أمامهم وأنا لا أملك من نفسي شيئاً حتى أدخلوني على الخليفة..
فلما رأيته جالساً في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف وفزعت فزعاً شديداً..
فقال : ادن.. فدنوت..
فقال لي: ليسكن روعك وليهدأ قلبك.. وما زال يلاطفني حتى اطمأنت نفسي.. وذهب خوفي..
فقال لي:أنت الذي أذنت هذه الساعة ؟
فقلت : نعم يا أمير المؤمنين..
فقال : ما حملك على أن أذنت في هذه الساعة ؟.. وقد بقي من الليل أكثر مما مضى منه ؟ فتغر بذلك الصائم والمسافر والمصلي وتفسد على النساء صلاتهن..
فقلت : يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري؟
فقال : أنت آمن.. فذكرت له القصة.. فغضب غضباً شديداً..
وأمر بإحضار ذلك الرجل والمرأة.. فأحضرا سريعاً..
فبعث بالمرأة إلى زوجها مع نسوة من جهته ثقات.. ثم أقبل على ذلك الرجل فقال له:كم لك من الرزق ؟ وكم عندك من المال ؟ وكم عندك من الجواري والزوجات ؟ فذكر له شيئاً كثيراً فقال له : ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله وتعديت على حدوده وتجرأت على السلطان ؟! وما كفاك ذلك حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر فضربته وأهنته وأدميته؟! فلم يكن له جواب..
فأمر به فجعل في رجله قيد.. وفي عنقه غل.. ثم أمر به فأدخل في كيس.. وهذا الرجل يصيح ويستغيث.. ويعلن التوبة والإنابة.. والخليفة لا يلتفت إليه.. ثم أمر الخليفة به فضرب بالسكاكين ضرباً شديداً حتى خمد..
ثم أمر به فألقي في دجلة فكان ذلك آخر العهد..
ثم أمر الخليفة صاحب الشرطة أن يحتاط على ما في داره من الأموال التي كان يتناولها من بيت المال..
ثم قال لي : كلما رأيت منكراً صغيراً أو كبيراً ولو على هذا – وأشار إلى صاحب الشرطة – فأعلمني.. فإن اتفق اجتماعك بي وإلا فعلامة ما بيني وبينك الأذان.. فأذن في أي وقت كان.. أو في مثل وقتك هذا..
فقلت : جزاك الله خيراً.. ثم خرجت..
فلهذا : لا آمر أحد من هؤلاء بشيء إلا امتثلوه.. ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه خوفاً من الخليفة المعتضد.. وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن.. والحمد لله ..
أيها الأخ الحبيب.. والأخت الكريمة..
إن المشتاقين إلى الجنة.. والراغبين في دخولها.. لا يسكتون عن منكر رأوه..
بل يسلكون شتى الطرق.. ومختلف الأساليب لإزالة المنكرات ومناصحة أهلها..
فأين أولئك.. الذين يرون المنكرات.. ولا تنشط نفوسهم لإنكارها.. وربما أنكروا مرة أو مرتين فلما لم يتقبل منهم.. يئسوا من الإصلاح.. وألقوا السلاح.. وليسألن يوم القيامة عن ذلك..
وما كثرت المنكرات بين الناس.. في أسواقهم.. وبيوتهم.. ومدارسهم.. وأماكن أعمالهم.. إلا بسبب أنهم ﴿ كانوا لا يناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.. ﴾

وقد قال رسول الله  :  لا يحقر أحدكم نفسه, قالوا : يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟! قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال.. ثم لا يقول فيه, فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟
فيقول خشية الناس.. فيقول:فإياي كنت أحق أن تخشى  (10).
واعلم أن قوله  :  من رأى منكم منكراً فليغيره بيده , فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه , وذلك أضعف الإيمان  (11) يشمل كل مسلم ومسلمة.. وأنت من المسلمين بل إن الساكت عن إنكار المنكر يخشى عليه أن يكون شريكاً لفاعله في الإثم.. قال  :  إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها – وقال مرة : أنكرها – كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها  (12).

الوصية الخامسة :
من محبة الله تعالى للصالحين.. الذين هم أهل الجنة.. أن الله يجمع لهم بين سعادتي الدنيا والآخرة..
واعلم أن الملل الدائم الذي ينزله الله بمن عصاه.. أو طلب السعادة في غير رضاه.. يضيق على أهل المعصية دنياهم.. وينغص عليهم عيشهم.. حتى يتحول ما يسعون وراءه من متع إلى عذاب يتعذبون به..
فلماذا..؟!
لماذا يتحول سماعهم للغناء.. ومواقعتهم للفحشاء.. وشربهم للخمر.. ونظرهم إلى الحرام.. لماذا يتحول هذا إلى ضيق بعد أن كان سعة.. وحزن بعد أن كان فرحة.. لماذا ؟
الجواب واضح.. لأن الله تعالى خلق الإنسان لوظيفة واحدة.. لا يمكن أن تستقيم حياته لو اشتغل بغيرها.. ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾
فلما استعمل الإنسان جسده وروحه لغير الوظيفة التي خلق لأجلها تحولت حياته إلى جحيم , وخذ مثالاً على ذلك : لو أن رجلاً يمشي في طريق فانقطع نعله فجأة فلما رأى ذلك قال : لا مشكلة أستعمل القلم بدل النعل ثم وضع قلمه تحت رجله وأراد المشي.. لقلنا له : أنت مجنون لأن القلم صنع للكتابة ولم يصنع للمشي..
وكذلك لو احتاج قلماً فلم يجد فقال:لا مشكلة أكتب بحذائي..!! ثم تناول حذاءه وبدأ يجرّه على الورق!! لقلنا له :أنت مجنون لأن الحذاء إنما صنع لوظيفة واحدة هي المشي ولم يصنع للكتابة..
وكذلك الإنسان.. خلق لوظيفة واحدة هي طاعة الله وعبادته.. فمن استعمل حياته لغير هذه الوظيفة فلا بد أن يضل ويشقى..
ولو نظرت في حال من استعملوا حياتهم لغير ما خلقوا له لوجدت في حياتهم من الفساد والضياع ما لا يوجد عند غيرهم.. هلا تسألت معي : لماذا يكثر الانتحار في بلاد الإباحيَّة والفجور..؟
لماذا ينتحر في أمريكا سنوياً أكثر من خمسة وعشرين ألف شخص..؟
وقل مثل ذلك في بريطانيا.. وقل مثله في فرنسا.. والسويد..وغيرها..!
لماذا ينتحرون؟!..
ألم يجدوا خموراً يشربون؟.. كلا.. بل الخمور كثيرة..
ألم يجدوا بلاداً يسافرون؟.. كلا..بل البلاد واسعة..
أم منعوا من الزنا؟
أم حيل بينهم وبين الملاعب والملاهي..
كلا.. بل هم يفعلون ما شاءوا.. يتقلبون بين متع أعينهم.. وأبصارهم وفروجهم..
إذن.. لماذا ينتحرون.. لماذا يملون من حياتهم؟!
لماذا يتركون الخمور والزنا والملاهي.. ويختارون الموت.. لماذا..؟؟
الجواب واضح ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً.. ﴾
تلاحقهم المعيشة الضنك في ذهاب أحدهم ومجيئه.. وسفره وإقامته.. تأكل معه وتشرب.. تقوم معه وتقعد.. تلازمه في نومه ويقظته.. تنغص عليه حياته حتى الموت..
ومن أعرض عن الله وتكبر..ألقى الله عليه الرعب الدائم..قال الله: ﴿ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب.. ﴾ لماذا؟ ﴿ بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين.. ﴾
أما العارفون لربهم.. المقبلون عليه بقلوبهم فهم السعداء ﴿ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.. ﴾
قال الشيخ :
ذهبت للعلاج في بريطانيا..
فدخلت إلى مستشفى من أكبر المستشفيات هناك.. لا يكاد يدخله إلا كبير أو وزير.. فلما دخل عليّ الطبيب ورأى مظهري قال: أنت مسلم؟
قلت : نعم..
فقال : هناك مشكلة تحيرني منذ عرفت نفسي.. هل يمكن أن تسمعها مني؟
قلت : نعم..
فقال: أنا عندي أموال كثيرة.. ووظيفة مرموقة.. وشهادة عالية.. وقد جربت جميع المتع.. شربت الخمور المتنوعة.. وواقعت الزنا.. وسافرت إلى بلاد كثيرة.. ومع ذلك.. لاأزال أشعر بضيق دائم.. وملل من هذه المتع..
عرضت نفسي على عدة أطباء نفسيين..
وفكرت في الانتحار عدة مرات لعلي أجد حياة أخرى.. ليس فيها ملل..
ألا تشعر أنت بمثل هذا الملل والضيق؟!
فقلت له : لا.. بل أنا في سعادة دائمة.. وسوف أدلك على حل المشكلة.. ولكن أجبني.. أنت إذا أردت أت تمتع عينيك فماذا تفعل ؟ قال : أنظر إلى امرأة حسناء أو منظر جميل..
قلت : فإذا أردت أن تمتع أذنيك فماذا تفعل ؟ قال : أستمع إلى موسيقى هادئة..
قلت : فإذا أردت أن تمتع أنفك فماذا تفعل ؟ قال : أشم عطراً.. أو أذهب إلى حديقة..
قلت له : حسناً.. إذا أردت أن أن تمتع عينك لماذا لا تستمع إلى الموسيقى؟
فعجب مني وقال : لا يمكن لأن هذه متعة خاصة بالأذن..
قلت : فإذا أردت أن تمتع أنفك لماذا لا تنظر إلى منظر جميل ؟
فعجب أكثر مني وقال : لا يمكن لأن هذه متعة خاصة بالعين.. ولا يمكن أن يتمتع بها الأنف.. قلت له : حسناً.. وصلت إلى ما أريده منك..
أنت تحس بهذا الضيق والملل في عينك؟
قال : لا !! قلت : تحس به في أذنك ؟!.. في أنفك؟!.. فمك؟!.. فرجك؟!.
قال : لا.. بل أحسّ به في قلبي.. في صدري..
قلت:أنت تحس بهذا الضيق في قلبك.. والقلب له متعة خاصة به.. لا يمكن أن يتمتع بغيرها.. ولا بد أن تعرف الشيء الذي يمتع القلب.. لأنك بسماعك للموسيقى.. وشربك للخمر.. ونظرك وزناك.. لست تمتع قلبك وإنما تمتع هذه الأعضاء!!..
فعجب الرجل , وقال : صحيح.. فكيف أمتع قلبي ؟!!
قلت : بأن تشهد أن لا إله إلا الله.. وأن محمداً رسول الله.. وتسجد بين يدي خالقك.. وتشكو بثك وهمك إلى الله.. فإنك بذلك تعيش في راحة واطمئنان وسعادة.. فهز الرجل رأسه وقال : أعطني كتباً عن الإسلام.. وادع لي.. وسوف أسلم.. ثم أكملت علاجي وسافرت.. ولعل الرجل يكون أسلم بعد ذلك..
وصدق الله إذ يقول : ﴿ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين  قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .. ﴾ فعجباً لأقوام يلتسمون الأنس والانشراح.. ويبحثون عن السعادة في غير طريقها.. والله يقول : ﴿ أم حسب الذين اجترحوا السئيات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.. ﴾
ففرق الله بين عيش السعداء.. وعيش الأشقياء.. في المحيا والممات..
قال الشيخ : جاء إليّ شاب يوماً.. فتأملت وجهه فإذا هو وجه مظلم مكتئب.. فسألته عن حاجته.. فسكت.. كررت عليه السؤال.. فلم يتكلم.. نظرت إليه.. فإذا دموعه تسيل من عينيه.. فسألته : لماذا تبكي؟
فقال : لا أستطيع التنفس من شدة الضيق.. والملل.. أشعر والله يا شيخ أن على صدري جبلاً يكتم أنفاسي.. لم أعد أتحمل الناس.. ولا الأصدقاء.. بل أمي وأبي وأخوتي.. لم أعد أطيق الجلوس معهم.. ضحكي مجاملة.. وسروري تظاهر.. فجئت إليك لتعالجني بالرقية.. أو تدلني على من يعالجني.. ثم احتبس صوته وصمت..
فسألته : هذا الضيق لا بد أن له سبباً.. فما السبب؟ فقال : لا أدري..
فقلت : كيف علاقتك بربك..
فقال : سيئة.. واسمع قصتي.. قلت : هاتها..
فقال : لما كان عمري أربع عشرة سنة.. ذهب أبي إلى أمريكا للدراسة فذهبت
معه.. وأهملني أبي هناك بين المراقص والأسواق وأنا في تلك السن المبكرة..
فلما أتم أبي دراسته سنتين عدنا غلى الرياض فطلبت أن يعيدني إلى أمريكا لأكمل الدراسة فرفض.. فدرست في السنة الثالثة المتوسطة وتعمدت أن أرسب في جميع المواد.. وأعدت السنة.. وتعمدت أن أرسب.. فأعدت السنة ثالثة.. وتعمدت أن أرسب أيضاً.. فلما رأى أبي ذلك أرسلني إلى أمريكا.. لأكمل دراستي .. وكان المفروض أن أنهي الدراسة في أربع سنوات لأتخرج من الثانوية.. لكني أنهيتها في تسع سنوات..
لم تبق معصية على وجه الأرض إلا فعلتها هناك.. لأنني كنت أريد أن أتمتع بشبابي بقدر ما أستطيع..
ثم عدت إلى الرياض وبدأت أدرس في الجامعة.. وأنا لا أزال على المعاصي الكبيرة والصغيرة لكن هذا الضيق الشديد.. بدأ يكتم عليّ أنفاسي.. يضيق عليّ حياتي.. مللت من كل شيء.. كل شيء جربته..
لكن الملل يلازمني..!!
قال هذا الكلام كله.. وهو يدافع عبراته.. ويبكي..
فسألته : هل تصلي..؟ قال : لا..
قلت : أول علاج لهذا الهم هو أن تصلح علاقتك بالذي قلبك بين يديه يقلبه كما يشاء.. فحافظ على الصلاة في المسجد.. وموعدي معك بعد سبعة أيام..
ومضت الأيام..
وبعد أسبوع جاءني بغير الوجه الذي فارقته عليه.. وأول ما رآني عانقني وقال : جزاك الله خيراً.. والله يا شيخ إنني في سعادة ما ذقتها منذ تسع سنوات.. فسألته عن الضيق والملل والاكتئاب.. فإذا هو قد زال عنه كله.. وصدق الله إذ قال : ﴿ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.. ﴾
قال الشيخ :
جاءني شخص يوماً وقال :
يا شيخ أخي مصاب بسحر وأريدك أن تدلنا على أحد يقرأ عليه شيئاً من القرآن.. ويرقيه بالرقية الشرعية.. فطلبت أن أقابل أخاه.. فلما جاء إليّ.. فإذا المريض مكتئب الوجه.. ضائق الصدر.. مضطرب الحال..
فسألته من ماذا تشتكي؟
فقال:أنا مسحور!!
فسألته : ما علامات سحرك؟!
فقال: أشعر بضيق دائم.. يلازمني الملل والاكتئاب.. مللت من كل شيء.. وكرهت مخالطة الناس.. حتى أمي وأخوتي لم أعد أتحمل مجالستهم.. زوجتي كثرت المشاكل بيننا فذهبت إلى أهلها منذ سنة.. أولادي أمل من مجالستهم.. ثم دافع عبراته وسكت..
فقلت له : ولماذا تجزم بأنك مصاب بسحر.. لعل ما أصابك هو عقوبة من الله تعالى على بعض معاصيك.. لعل الله اطلع عليك وأنت تعصيه فنزع منك انشراح الصدر.. والله يقول : ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير.. ﴾
فقال : لا.. أنا مسحور فأقرأ عليّ الرقية الشرعية..
قلت : حاسب نفسك وراقب عملك وأبشر بالخير..
فقال : لا.. بل أنا مسحور فاقرأ عليّ..
فلما أكثر عليّ تناولت كأس ماء بجانبي ثم قرأت الفاتحة ونفثت فيه..
ثم قلت له : اشرب.. قد قرأت عليك!!..
فشرب الماء وخرج..
وبعد يومين اتصل بي أخوه وقال : يا شيخ.. أبشرك.. قد نفع الله بتلك القراءة.. فعجبت!!.. وقلت : كيف؟
قال : قد كان أخي بالأمس عند أمي وأخوتي طوال اليوم.. وفي المساء أحضر زوجته وأولاده.. والله يا شيخ إن أمي وزوجته تدعون لك.. وجزاك الله خيراً على فك السحر.. فعجبت والله من ذلك.. وطلبت منه أن يحضر مع أخيه إليّ.. فلما حضرا.. سألت المريض:هاه.. يا فلان.. وجدت السحر؟!
قال : لا.. ولكن وجدت شيئاً آخر.. وجدت أفلاماً خليعة.. ومخدرات..
قلت : كيف ؟!!
قال : لما ذهبت من عندك حاسبت نفسي.. وتأملت في الآية ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .. ﴾ فأخذت أتلمس موضع الخلل. فإذا أنا لست حريصاً على الصلاة أبداً.. إضافة إلى أني منذ زمن.. مدمن النظر إلى الأفلام الخليعة.. فمن كثرة مشاهدتي لها أبغضت زوجتي.. وأولادي.. وصار الضيق يلازمني.. فبدأت أتعاطى المخدرات لإزالة هذا الضيق عني.. فزاد غمي غماً.. وكنت أظن أني مسحور لشدة هذا الضيق..
فجمعت هذه الأفلام وأحرقتها.. ثم أخذت ما تبقى عندي من المخدرات وألقيتها في المرحاض وصببت عليها الماء.. وأعلنت التوبة لله تعالى..
فوالله يا شيخ ما كدت أفعل ذلك.. حتى شعرت كأن جبلاً كان فوق صدري وانزاح عني..






توقيع : فيصل






الإشارات المرجعية


الــرد الســـريـع
..





هل تبحث عن وظيفة؟ Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


©phpBB | انشاء منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع