قد يخطئ كثير من الناس في الحكم على الصوفية ويظن أنهم طائفة خارجة على الإسلام وذلك ربما يكون بحسن نية لما يسمعه ممن لا علم لهم بحقائق الأمور ولذلك لابد من تجلية هذا الأمر في أذهان من التبس عليهم شأنهم فاستعين بالله تعالى وأتبرأ من حولي وقوتي قاصداً وجه الله تعالى متحرياً الحق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً مشيرا إلى بعض الحقائق الثابتة محاولا التقريب بين وجهات النظر ملتمسا العذر للباحثين عن الحقيقة في هذا الموضوع ما دام قصدهم الوصول إلى صراط الله المستقيم لان صادق النية له اجر إذا كان متجردا عن الهوى والتعصب باحثا عن الحقيقة مزعنا لها أينما كانت وان الهدف الأساسي من هذا البحث هو جمع كلمة المسلمين ووحدتهم وإيجاد روح المحبة والتعاون بينهم حتى نتفرغ لأعدائنا ونستجمع قوتنا لتخليص بيت المقدس وأرضنا السليبة ومؤازرة إخواننا المسلمين في أفغانستان وفي كل مكان من ارض الله التي يذكر فيها اسمه لأنه عدونا واحد وإلهنا واحد وديننا واحد وقبلتنا واحدة ونبينا واحد صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ولا يريد أعداؤنا منا اكثر من الخلاف وضياع الوقت في الجدال وتمزيق الأمة حتى ننشغل بهذه الأمور الجانبية عن الأمور الكبيرة التي يجب علينا أن نجاهد من اجلها .
وانه من الأمور البديهية والمسلمات الثابتة التى لا اختلاف فيها أن المسلم يجب أن يحمل حالة علي احسن الوجوه وان نلتمس له المعاذير لتبرير وجهة نظره إذا وجدنا إلى ذلك سبيلا وخاص إذا ني عن نفسه الباطل وأعلن ولو بصفة إجمالية انه يريد الحق ويؤمن به وذلك يتجلي فيما قالهصلَّى الله عليه و آله و سلَّم لأسامة بن زيد : وقد هم يقبل رجل بعد أن نطق بالشهادة : ( أفلا شققت عن قلبه)رواه البخاري
وظل صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يعنفه ويلومه علي ذلك مع أن حالة الرجل ونطقه بالشهادة بعد أن تمكن منه أسامه بن زيد توحي بأنه قالها تقيه بعد أن تمكن منه ، وانتصر عليه ولكن الإسلام يضع لنا منهجا ربانيا قويما ولان نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة وانه يجب علينا أن نكل بواطن الأمور إلى الله ونحكم للمسلم بما أعلنه عن نفسه وجعله شعاره وعنوان عقيدته وليس لنا أن نحمل حالة علي شئ آخر مهما كانت الأسباب وهكذا الأمر ينطبق علي حالة الصوفية و ما يصلنا من أقوالهم وأحوالهم فانك لو سألت أي أحد من هؤلاء القوم أو ممن ينتسب إليهم هل هناك أدنى مخالفة للكتاب والسنة يعتقدها الصوفية لأجابك الجميع بشدة ويقين انه ليس للصوفية أي ابتداع في الدين أو مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم .
اتباع الكتاب والسنة======
واليك بعض أقوال أئمتهم : يقول الإمام أبو القاسم الجنيد الملقب بسيد الطائفة : الطرق كلها مسدودة علي الخلق إلا علي من اقتفي أثار رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وقال : من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر - أي التصوف - لان علمنا مقيد بالكتاب والسنة .
وقال سهل بن عبد الله : كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء - أي بالمعصوم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - فهو عيش النفس أي من هوى النفس لا يقبله الله تعالي وهو من كبار الصوفية .
وقال أبو العباس احمد بن أبى الحواري : من عمل عملا بلا اتباع سنة رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فباطل عمله وقال أبو الحسن النوري : من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه وهو من أئمة الصوفية .
وقال ابن عطاء الله السكندري : من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في أوامره وأفعاله وأخلاقه وقال أبو حمزة البغدادي : لا دليل علي الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في أحواله وأقواله وأفعاله وقال أبو القاسم النصر اباذي عالم خرسان : اصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وترك الرخص والتأويلات .
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عن الصوفي : إن سالك سبيل الله قليل والمدعي فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له الأولى : أن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة علي توقيفاته إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب علي جملة من النوافل فكيف يصل إليه من أهمل الفرائض .
وقال الإمام التستي : أصول طريقتنا - أي منهج الصوفية - سبعة : التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة واكل الحلال وكف الأذى وتجنب المعاصي لزوم التوبة وأداء الحقوق وقال أبو حفص أحد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال وقال الشيخ محيي الدين بن عربي : لا يرتجي الوصول من لم يتابع الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم ويقول أبو يزيد البسطامي : لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
ويقول أبو الحسن الشاذلي : إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك إن الله تعالي ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التى تبين إن الاستقامة علي الشريعة المطهرة هي افضل من أي كرامة .