الشبهه هييؤكد القرآن أنه لا يمكن للملائكة أن تعصى الله (66 : 6) و مع ذلك فقد عصى إبليس الذي كان من الملائكة ، كما في الآية (2 : 34) فأيهما صحيح؟
الاجابه هي الملائكة مخلوقات مجبولة على طاعة الله و عبادته و التسبيح له و به . . فم لا يعصون الله ، سبحانه و تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم : 6) .
و مع تقرير هذه الآية أن هؤلاء الملائكة القائمين على النار {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . . يقرر القرآن الكريم أن إبليس - و هو من الملائكة - في قمة العصيان و العصاة : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة : 34) .
و هناك إمكانية للجمع بين معاني الآيتين ، و ذلك بأن نقول : إن عموم الملائكة لا يعصون الله ، سبحانه و تعالى ، فهم مفطورون و مجبولون على الطاعة . . لكن هذا لا ينفي وجود صنف هم الجن - و منهم إبليس ، شملهم القرآن تحت اسم الملائكة - كما وصف الملائكة أيضاً بأنهم جنة - لخفائهم و استتارهم - . . و هذا الصنف من الجن ، منهم الطائعون و منهم العصاة . .
و في تفسير الإمام محمد عبده (1265-1323ه/1849-1905م) لآية سورة البقرة : 34 - يقول :
"أي سجدوا إلا إبليس ، و هو فرد من أفراد الملائكة ، كما يفهم من الآية و أمثالها في القصة ، إلا أن آية الكهف فإنها ناطقة بأنه كان من الجن . . و ليس عندنا دليل على أن بين الملائكة و الجن فصلاً جوهرياً يميز أحدهما عن الآخر ، و و إنما هو اختلاف أصناف ، عندما تختلف أوصاف . فالظاهر ان الجن صنف من الملائكة . و قد اطلق القرآن لفظ الجنة على الملائكة ، على رأي جمهور المفسرين في قوله تعالى : {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} (الصافات : 158) و على الشياطين في آخر سورة الناس"(1) .
و نحن نجد هذا الرأي أيضاً عند القرطبي - في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) - فيقول :
" وقال سعيد بن جبير: إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور. . والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها، وفي التنزيل: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً} (الصافات: 158) ، وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه السلام:
وسخر من جن الملائك تسعة :: قياما لديه يعملون بلا أجر "(2)
فلا تناقض إذاً بين كون الملائكة لا يعصون الله . . و بين عصيان إبليس - و هو من الجن ، الذين أطلق عليهم اسم الملائكة - فهو مثله كمثل الجن هؤلاء منهم الطائعون و منهم العصاة .
----------------------------------------------------
(1) (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج4 ص133 . دراسة و تحقيق : د. محمد عمارة . طبعة دار الشروق . القاهرة سنة 1414ه سنة 1993م .
(2) (الجامع لأحكام القرآن) ج1 ص294-295 – مصدر سابق - .