المولد والنشأة :
علي مصطفى مشرفة باشا ( 11 يوليو 1898- 15 يناير 1950م ) عالم رياضيات مصري ، ولد في دمياط فى حى المظلوم ، وكان الابن البكر لمصطفى مشرفة أحد وجهاء تلك المدينة وأثريائها ، وقد قضى مشرفة السنوات الاولى من طفولته فى رغد من العيش وهناءة بال ، الى أن تأثر والده فى سنة 1907م بأزمة القطن الشهيرة التى هزت الاقتصاد المصرى فهوت بالاغنياء الى قاع الفقر وكان من جراء تلك الازمة انها اودت بمائتى فدان كان الولد يمتلكها .
تلقى ( على ) دروسه الأولى على يد والده ثم في مدرسة "أحمد الكتبي" ، وكان دائما من الأوائل في الدراسة ، ولكن طفولته خلت من كل مباهجها حيث يقول عن ذلك :
( لقد كنت أفني وأنا طفل لكي أكون في المقدمة ، فخلت طفولتي من كل بهيج ، ولقد تعلمت في تلك السن أن اللعب مضيعة للوقت ، كما كانت تقول والدته ، تعلمت الوقار والسكون في سن اللهو والمرح ، حتى الجري كنت أعتبره خروجاً عن الوقار ) .
كان للدكتور/ مشرفة اخت تليه فى السن وهى السيدة / نفيسة تزوجت من محمد بك الجندى ، و كان له ثلاث اخوات هم :
الدكتور / مصطفى كان استاذ للغة الانجليزية اداب القاهرة .
الدكتور / عطية كان مديرا لمكتبة جامعة القاهرة .
اللواء / حسن مشرفة وكان مديرا للمرور
دراسته :
بعد وفاة والده سنة 1909 ، وجد ( على ) نفسه رب عائلة معدمة بعد ان فقد والده ثروته بعد ازمة القطن ، وجد نفسه مع عائلة مؤلفة من والدة وأخت وثلاث أشقاء ، فأجبرهم هذا الوضع على الرحيل للقاهرة والسكن في إحدى الشقق المتواضعة في حي عابدين ، بينما التحق علي بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضى فيها سنة في القسم الداخلي المجاني انتقل بعدها إلى المدرسة السعيدية في القاهرة وبالمجان أيضاً لتفوقه الدراسي ، فحصل منها على القسم الأول من الشهادة الثانوية ( الكفاءة ) عام 1912 ، وعلى القسم الثانى ( البكالوريا ) عام 1914 .
وكان ترتيبه الثاني على القطر كله وله من العمر ستة عشر عاما ، وهو حدث فريد في عالم التربية والتعليم في مصر يومئذ ، وقد أهله هذا التفوق لاسيما في المواد العلمية للالتحاق بأي مدرسة عليا يختارها مثل الطب أو الهندسة ، لكنه فضل الانتساب إلى دار المعلمين العليا ، حيث تخرج منها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى ، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلى بعثة علمية إلى بريطانيا على نفقتها ، والتحق عام 1920 بالكلية الملكية (kings college ) ، وحصل منها عام 1923 على الدكتوراة في فلسفة العلوم بإشراف العالم الفيزيائي الشهير تشارلس توماس ويلسون Charles T. Wilson - نوبل للفيزياء عام 1927 - ثم حصل عام 1924 علي دكتوراه العلوم من جامعة لندن وهي أعلي درجة علمية . نال الاعجاب من الجميع حتى مدرس اللغة العربية لم يكن يناديه الا ( بالسيد ) تقديرا واعجابا ، وقد توفيت والدته قبل ان يؤدى امتحان البكالوريا بشهرين .
تم اعلان نتيجة البكالوريا سنة 1914 م ، وكان ( على مصطفى مشرفة ) الثاني على طلبة القطر المصرى الذين اجتازوا امتحانها بنجاح .
الحياه العملية :
عُين أستاذ للرياضيات في مدرسة المعلمين العليا ثم للرياضة التطبيقية في كلية العلوم 1926 ، كما مُنح لقب أستاذ من جامعة القاهرة وهو دون الثلاثين من عمره .
كان يتابع أبحاثه العالم أينشتاين صاحب نظرية النسبية ، ووصفه بأنه واحد من أعظم علماء الفيزياء ، وانتخب في عام 1936عميداً لكلية العلوم ، فأصبح بذلك أول عميد مصري لها ، ثم حصل على لقب الباشاوية من الملك فاروق .
وتُقدر أبحاثه المتميزة في نظريات الكم والذرة والإشعاع والميكانيكا بنحو 15 بحثاً ، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته حوالي 200 مسودة .
دارت أبحاث الدكتور مشرفة حول تطبيقه الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان .
كذلك كان الدكتور مشرفة أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية "أينشتين" تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية .
وقد درس مشرفة العلاقة بين المادة والإشعاع وصاغ نظرية علمية هامة في هذا المجال .
كان الدكتور مشرفة من المؤمنين بأهمية دور العلم في تقدم الأمم ، وذلك بانتشاره بين جميع طوائف الشعب حتى وإن لم يتخصصوا به ، لذلك كان اهتمامه منصبا على وضع كتب تلخص وتشرح مبادئ تلك العلوم المعقدة للمواطن العادي البسيط ، كي يتمكن من فهمها والتحاور فيها مثل أي من المواضيع الأخرى ، وكان يذكر ذلك باستمرار في مقدمات كتبه ، والتي كانت تشرح الألغاز العلمية المعقدة ببساطة ووضوح حتى يفهمها جميع الناس حتى من غير المتخصصين ، وكان من أهم اقواله :
( خير للكلية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً .. من أن تخرج كثيرين أنصاف علماء ) ، هكذا كان يؤمن الدكتور مشرفة .
اسهامات دكتور مصطفي مشرفة
علي المستوي الجامعي :
تمتعت كلية العلوم في عصره بشهرة عالمية واسعة ، حيث عني عناية تامة بالبحث العلمي وإمكاناته ، فوفر كل الفرص المتاحة للباحثين الشباب لإتمام بحوثهم ، ووصل به الاهتمام إلى مراسلة أعضاء البعثات الخارجية ، كما سمح لأول مرة بدخول الطلبة العرب الكلية ، حيث كان يرى أن ( القيود القومية والفواصل الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب المتآلفة ) .
أنشأ قسمًا للغة الإنجليزية والترجمة بالكلية ، كما حول الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية ، وصنف قاموسًا لمفردات الكلمات العلمية من الإنجليزية إلى العربية .
يقول المؤرخون ( إن الدكتور مشرفة أرسى قواعد جامعية راقية ، حافظ فيها على استقلالها وأعطى للدرس حصانته وألغى الاستثناءات بكل صورها ، وكان يقول : " إن مبدأ تكافؤ الفرص هو المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري " ) .
علي المستوي الادبي :
كان مشرفة حافظًا للشعر ، ملمًّا بقواعد اللغة العربية ، عضوًا بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية ، حيث ترجم مباحث كثيرة إلى اللغة العربية .
كما كان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات ، وله مناظرة شهيرة مع د/ طه حسين حول ( أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم ؟ ) .
نشر للدكتور مشرفة ما يقرب من ثلاثين مقالاً منها :
سياحة في فضاء العالمين - العلم والصوفية - اللغة العربية كأداة علمية - اصطدام حضارتين- مقام الإنسان في الكون .
علي المستوي الاجتماعي :
شارك الدكتور علي في مشاريع مصرية عديدة تشجيعًا للصناعات الوطنية ، كما شارك في إنشاء جماعة الطفولة المشردة ، كما كان أول من لقن من حوله دروسًا في آداب الحديث وإدارة الجلسات .
علي المستوي الموسيقي :
كان الدكتور مشرفة عازفًا بارعًا على الكمان والبيانو مغرمًا بموسيقى جلبرت وسلفن ، وكون الجمعية المصرية لهواة الموسيقى في سنة 1945 ، وكان من أغراضها العمل على تذليل الصعوبات التي تحول دون استخدام النغمات العربية في التأليف الحديث .
كوّن لجنة لترجمة ( الأوبرتات الأجنبية ) إلى اللغة العربية ، وكتب كتابًا في الموسيقى المصرية توصل فيه إلى أن جميع النغمات الأخرى في السلم الموسيقي غير السيكا والعراق يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها .
أهم أعماله :
اتجه إلى ترجمة المراجع العلمية إلى العربية بعد أن كانت الدراسة بالانجليزية فأنشأ قسماً للترجمة في الكلية ، شجع البحث العلمي وتأسيس الجمعيات العلمية ، وقام بتأسيس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية والمجمع المصري للثقافة العلمية ، كما اهتم أيضاً بالتراث العلمي العربي فقام مع تلميذه محمد مرسي أحمد بتحقيق ونشر كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي .
أحب الفن وكان يهوى العزف على الكمان ، وأنشأ الجمعية المصرية لهواة الموسيقى لتعريب المقطوعات العالمية .
ويعد مشرفة أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب ، ولم يكن يتمنى أن تُصنع القنبلة الهيدروجينية أبداً ، وهو ما حدث بالفعل بعد وفاته بسنوات في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي .
وتُقدر أبحاثه المتميزة في نظريات الكم والذرة والإشعاع والميكانيكا بنحو 15 بحثاً ، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته حوالي 200 مسودة .
دارت أبحاث الدكتور مشرفة حول تطبيقه الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان .
كذلك كان الدكتور مشرفة أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية "أينشتين" تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية .
وقد درس مشرفة العلاقة بين المادة والإشعاع وصاغ نظرية علمية هامة في هذا المجال .
ذهاب مشرفة الى جامعة برنستون والفرصة الذهبية :
ولقد كان ذهاب د/ مشرفة الى برنستول فرصة ذهبية تمكنه من العطاء الفياض فى الابحاث الذرية المتقدمة مشركا اسم مصر فى اخطر الانجازات العلمية ، وكان د/ مشرفة على اتصال دائم كل يوم ببحوثه العلمية فاستطاع ان يواصل ما بدأ من بحث جاد ظهرت نتائجه فى البحوث التى نشرها فى الدوريات العالمية سنة 1929م عن حركة الكترون كظاهرة موجبة وعن ميكانيكية الموجات والمفهوم المزدوج للمادة والاشعاع ولم يكن هذا الا تمهيدا للبحث اللامع الذى نشرة مشرفة سنة 1932م فانتشرت معه سمعته فى جميع الاوساط وصار ذكره مع كل لسان وهذا البحث بعنوان : هل يمكن اعتبار الاشعاع والمادة صورتين لحالة كونية واحدة ؟
وقد اثبت د/ مشرفة فى بحثه بالفعل صورتان لشىْ واحد بهذا اصبحت القاعدة العلمية التى تقول بأن المادة والطاقة والاشعاع ليست الا شيئا واحدا .
تقديم دكتور/ مشرفة ابحاث عن العلاقة بين المادة والاشعاع :
فى عام 1934م تقدم ببحث أخر بان به عن بعض العلاقات بين المادة والاشعاع على ضوء المفهوم الجديد الذى اضافه الى العلم ، وفى علم 1937م اجرى د/ مشرفة بحثه المشهور على السلم الموسيقى المصرى ونشره فى مجلة Nature ثم فى مجلة الجمعية المصرية للعلوم ثم نشر بحثاً عن معادلة مكسويل والسرعة المتغيرة للضوء ، فى عام 1942 م اخذت بحوث د/ مشرفة اتجاهاً اخر نحو مبادئ اللانهاية وخطوط الطول والعرض وسطوح الموجات المتعلقة بها .
فى عام 1944م قدم بحث التحويلات المخروطية .
فى عام 1945م قدم بحث عن معادلة حركة جزئى متحرك .
فى عام 1948م قدم بحث عن النقص فى كتلة نواة الذرة .
ملخص حياة العالم المصري مصطفي مشرفة :
كان الدكتور "علي" أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين حاربوا استخدامها في الحرب.. بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهي أن الهيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الهيدروجينية ، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات في الولايات المتحدة وروسيا..
والذي اعتقد ان علمه الذي جاهد في سبيل تنفيذه وتطبيقه كان سيحقق فارق في مستقبل مصر ومستقبل اولاده والكثير في مجال الطاقة النووية .
وكان من اقواله :
( لقد شهدت البشرية نشأة حضارات عديدة وازدهارها على سطح الأرض ، لكن قليلاً من تلك الحضارات هي التي استمرت وبقيت ، ومن ثم فلا بد أن نسأل أنفسنا عن سبب ذلك ، لقد فكرت في ذلك كثيراً ووجدت أن نبوغ مجموعة كبيرة من مواطني مجتمع ما كفيل بقيام حضارة مع وجود العوامل الأخرى المساعدة في قيام الحضارة ، لكن اهتمام هذه المجموعة ببناء جيل يكمل بعدها المسيرة كفيل باستمرار حضارة تلك الشعوب ، لكن إن لم تهتم هذه المجموعة ببناء جيل جديد سوف تنتهي تلك الحضارة ، وسوف تندثر وتزول بمرور الأيام ، أعتقد أنني الآن أجبت عن سؤال يدور في عقل الكثيرين ، وهو لماذا بقيت الحضارة المصرية شامخة حتى الآن ؟ واندثرت غيرها من الحضارات ؟ ) .
اهم كتبه :
الميكانيكا العلمية والنظرية 1937
الهندسة الوصفية 1937
مطالعات عامية 1943
الهندسة المستوية والفراغية 1944
حساب المثلثات المستوية 1944
الذرة والقنابل الذرية 1945
العلم والحياة 1946
الهندسة وحساب المثلثات 1947
نحن والعلم 1945
النظرية النسبية الخاصة 1943
وفاته :
توفي في 15 يناير 1950م ، اثر أزمة قلبية ، ويشاع أنه توفي مسموما وقيل أن أحد مندوبي الملك فاروق كان خلف وفاته ، وهذا طبعا كلام عار تماما من الصحة وليس له اى اساس ، كما قيل أيضا أنها أحد عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي .
ويذكر أن ألبرت أينشتاين - الذي كان يتابع أبحاثه - قد نعاه عند موته قائلا : ( لا أصدق أن مشرفة قد مات ، إنه لا يزال حياً من خلال أبحاثه ) .
كان من تلاميذه فهمي إبراهيم ميخائيل ومحمد مرسي أحمد وعطية عاشور وعفاف صبري وسميرة موسى ومحمود الشربيني .