نرد على هذه الشبهة بإذن الله تعالى وتوفيقه فنذكر فى البداية نُقطتين:-
(1) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج حتى الخامسة والعشرين من عمره فكانت فترة عزوبته فترة طهر ونقاء رغم أنها فترة القوة والشباب، فلقد أدَّبه الله سبحانه وتعالى فأحسن تأديبه.
- ثم تزوج سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو فى الخامسة والعشرين من عمره - 25 - بالسيدة خريجة بنت خويلد "رضى الله عنها" وهى فى الأربعين من عمرها - 40 - وقد سبق لها الزواج من قبل - فعاش معها صلى الله عليه وآله وسلم خمساً وعشرين سنة - 25 - لم يتزوج غيرها.
- فهل من المعقول أن نحكم على رجل أنه شهوانى وقد قضى زهرة شبابه وقوته مع زوجة واحدة تزيد على عمره خمسة عشر عاماً ؟.
- بالإضافة إلى أن كل من تزوجهنَّ بعد ذلك أرامل أو سبق لهن الزواج وكان لأسباب هامة كما سنذكر فيما بعد أن شاء الله ، ماعدا السيدة عائشة فهى البكر الوحيدة من بينهن.
(2) لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الوحيد الذى تزوج من بين الرسل بأكثر من زوجة ، فغيره من الرسل قد فعل كسيدنا داود وسيدنا سليمان عليهما السلام وككثير من أنبياء بنى إسرائيل الذين كانوا جميعا معددين للزوجات إبتداءً من جدهم سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ فلماذا لم ينكر أحد على هؤلاء الأنبياء جميعا زواجهم بأكثر من زوجة بينما أصبح سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو المتهّم الوحيد من بينهم ؟
والآن نستعرض معا ما هى الحكمة فى تعدد أزواج النبى صلى الله عليه وآله بشكل مختصر :-
أولاً: كسب التأييد وتأليف القلوب:
فالدعوة الى شيى تحتاج الى التبليغ وكسب التأييد لنشرها بين الناس وللإكثار من اتباعها ومن ذلك:-
- السيدة أم حبيبة رمله بنت أبى سفيان "رضى الله عنها" :-
أسلمت مع زوجها بمكة ثم هاجرت معه الى الحبشة ، فتنصر زوجها هناك وتركها فى هذه البلد الغريبة فأرسل "النبى صلى الله عليه وسلم" الى (الحباشى) يخطبها حتى لا تفكر فى العودة الى مكة فيؤذيها أهلها فكان هذا الزواج من الأسباب الأساسية التى دفعت أبو سفيان وهو والدها ومن سادة قريش الى الدخول فى الإسلام.
ثانياً: انتشار التعليم :
* وقد كان لهن دوراً كبيراً فى رواية الأحاديث النبوية :-
فلقد ذكر الرواة أن عدد الأحاديث التى رواها نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه قد جاوزت ثلاثة آلاف حديث - 3000 - روت منهم السيدة عائشة "رضى الله عنها" 2210 حديث - ويليها السيدة أم سلمة "رضى الله عنها" فقد روت 378 حديثاً.
وباقى الزوجات كن تتراوح أحاديثهن بين 11 الى 65 حديثاً وهذا الاختلاف فى رواية كل واحدة عن الأخرى يرجع الى :-
1- الذكاء 2- مدة الحياة الزوجية 3- امتداد العمر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اجتمعت كل هذه الأسباب للسيدة عائشة "رضى الله عنها"
ثالثاً: اكتمال التشريع :-
إبطال الإسلام لعادة التبنى التى كانت منتشرة فى الجاهلية قبل الإسلام ؟
فقد كان من عادة العرب فى الجاهلية تبنى أبناءً يعطونهم أسماءهم ويكون لهم الحق فى ميراثهم ولا يتزوجون المحرمات من نسائهم كابنه هذا الرجل باعتبارها أخته.. فأراد الله تبارك وتعالى أن يلغى هذه العادة.
فكان زواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم لهدف تشريعى واجتماعى وهو إبطال الإسلام لعادة التبنى.
رابعاً: تحقيق التكافل :
عن طريق رعاية الأرامل والأيتام ومن أمثلة ذلك :
- السيدة/ هند أم سلمة المخزومية "رضى الله عنها": وقد تزوجها النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة زوجها فى غزوة أحد وقد كانت كبيرة فى السن وأم أيتام.
خامساً: توثيق روابط الصحبة:
- السيدة/ عائشة "رضى الله عنها" : فأراد النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوى صلة المحبة بينه وبين أبيها سيدنا أبو بكر الصديق "رضى الله عنه" فأكرم بهذا الزواج صاحبة الوفى الأمين.
سادساً: إعطاء القدوة :
حتى نتعلم من النبى صلى الله عليه وآله وسلم ونهتدى به فى طريقة معاملته لزوجاته فى بيته وذلك لتنوع طبائع النساء واختلاف شخصياتهن ، أمثلة ذلك :
- القسمة بالعدل : فى الوقت والمأكل والنفقة.. وإذا أراد السفر عمل بينهن قرعة ، ولما حج أخذهن كلهن معه.
- احترامه لآرائهن : مساعدته فى خدمة البيت - استنكاره ورفضة ضرب النساء- وفاؤه لمن مات منهن مد اعبتهن والبشاشة لهن - وقوفه منهن موقف المصلح.
وأخيراً: نصل الى هذين السؤالين :
السؤال الأول : لماذا لم يلتزم نبى الإسلام بالعدد الذى وقف المسلون عنده فى التشريع الإسلامى وهو أربع زوجات فقط ؟
لأن هذا الأمر خاص بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم وحده دون غيره من المسلمين فإذا طلّق النبى صلى الله عليه وآله وسلم زوجاته وتمسك بأربع منهن فقط؛ لا يستطيع غيره من المسلمين أن يتزوج أى واحدة منهن وذلك لقوله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً). أما أى إمرأة مسلمة أخرى من غير أمهات المؤمنين فلها إن طلقها زوجها وقضت عدتها أن تتزوج بأى رجل أخر.
السؤال الثانى : كيف تم أمر زواج البنى صلى الله عليه وآله وسلم بالسيدة عائشة "رضى الله عنها" مع المفارقة الكبيرة فى السن ؟
أن السيدة عائشة "رضى الله عنها" كانت مؤهلة رغم صغر سنها للزواج والدليل على ذلك أنها كانت مخطوبة قبل زواجها من النبي.
- ولقد كان زواجها من النبى صلى الله عليه وآله وسلم بوحى من الله عز وجل.
- وكان لصغر سنها حكمة عظيمة فى حفظ الأحاديث النبوية لأنها روت عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم - 2210 - حديث - فقد دخل بها النبى صلى الله عليه وآله وسلم أول الهجرة وعاشت بعده حتى سنة 58هـ تروى الأحاديث وتعلم المسلمين أمور دينهم وديناهم فكانت من اعلم النساء "رضى الله عنها".
وأخيراً : نرجوا أن تكون قد بينا وضحنا الحكمة من وراء تعدد زوجات النبى صلى الله عليه وآله وسلم بشكل مفيد لكل منصف